كأنّ الأيك يوسعنا نثارا ... من الورق المكسّر والصّحاح
تميد كأنها علّت براح ... وما شربت سوى الماء القراح
كأن غصونها شرب نشاوى ... تصفّق كلّها راحا براح
ومرّ بنا أنه كان ناقدا بصيرا، كما كان شاعرا فذّا، وذكر له الثعالبى معنى نقله عن شاعر فارسى معاصر له يسمّى المعروقى على هذا النمط.
يظنون ما تذرى جفونى أدمعا ... بل الدم منها يستحيل فيقطر
تعيد بياضا حمرة الدم لوعتى ... كما ابيضّ ماء الورد والورد أحمر
ومن أصحاب المباحث البلاغية والنقدية الذين اشتهروا بنظم الشعر أبو هلال العسكرى صاحب كتاب الصناعتين، وقد ضمّنه كما ضمّن كتابه ديوان المعانى طائفة من أشعاره، وأنشد من ترجموا له بعض أشعاره. ومثله الثعالبى صاحب اليتيمة ومرّ بنا حديث عن بعض نظرات نقدية له، وله أشعار مختلفة أنشد أطرافا منها فى كتاب لطائف المعارف وفى كتبه الأخرى. ومثلهما عبد القاهر الجرجانى صاحب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، وفى ترجمته بدمية القصر طائفة من أشعاره. وهو باب يطول إذا أخذنا نحصى شعراء العلماء من كل صنف، إنما هى أمثلة فحسب، أردنا بها أن نصوّر تفتح ينابيع الشعر العربى على ألسنة المثقفين من كل لون. وكان من أقربهم إلى هذه الينابيع كتّاب الدواوين، ولا تكاد تجد كاتبا كبيرا يترجم له الثعالبى فى اليتيمة والباخرزى فى الدمية والعماد فى الخريدة إلا وشعره يكاد يغلب نثره. بل إن كثيرين منهم تقتصر ترجمتهم على ما لهم من أشعار، حتى إنه يكاد يكون من العسير أن نتعقب دواوين الرسائل وكتّابها وآثارهم النثرية عند السامانيين والخوارزميين والغزنويين والسلاجقة إلا ما يأتى عفوا. وكثير من كتّاب هذه الدول والإمارات كانت لهم دواوين شعرية مثل أبى بكر الخوارزمى الكاتب المشهور ومثل بديع الزمان وأبى الفتح البستى والباخزرىّ وقد أشرنا فيما أسلفنا إلى دواوينهم، ومثلهم الصاحب بن عباد والعماد الأصبهانى، وكأنهم وأضرابهم كانوا يرون أن الشعر هو العملة العربية المتداولة التى تحوز لصاحبها الشهرة الأدبية.