للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبت دينهم أو على زندقتهم ومروقهم من الإسلام وشريعته الغرّاء على نحو ما نرى فى حديثه عن حماد الرواية وحماد عجرد ومطيع بن إياس، وكأنهم كانوا على مذهب مزدك الذى يدعو إلى اللذات واقتراف الكبائر. وكان من الزنادقة نفر أشربوا حبّ مذهب مانى وما فيه من الزهد والانصراف عن متع الحياة وخير من بمثلهم صالح بن عبد القدوس الأزدى.

على أنه ينبغى أن نلاحظ أن كثيرين ممن تورطوا حينئذ فى الخمر والمجون لأوائل حياتهم عادوا وتابوا إلى ربهم وأنابوا، ومن خير من يمثل هذا الفريق آدم ابن عبد العزيز حفيد عمر بن عبد العزيز، يقول أبو الفرج: «كان فى أول أمره خليعا ماجا منهمكا فى الشراب، ثم نسك بعد ما عمّر ومات على طريقة محمودة» ويروى أن المهدى شهد على أنه زنديق، فأمر بضربه ثلاثمائة سوط على أن يقرّ بالزندقة، فقال: والله ما أشركت بالله طرفة عين، فقال له المهدى: فأين قولك:

اسقنى واسق خليلى ... فى مدى الليل الطويل

قهوة فى ظل كرم ... سبيت من نهر بيل (١)

فى لسان المرء منها ... مثل طعم الزّنجبيل

قل لمن يلحاك فيها ... من فقيه أو نبيل (٢)

أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السّلسبيل (٣)

تعطش اليوم وتسقى ... فى غد نعت الطّلول

فقال للمهدى: كنت فتى من فتيان قريش، أشرب النبيذ، وأقول ما قلت على سبيل المجون. والله ما كفرت بالله قط، ولا شككت فيه، فخلّى سبيله ورقّ له (٤). وأمثال آدم كانوا كثيرين. ونحن نقف عند ثلاثة من أبرز شعراء الزندقة والمجون وهم حماد عجرد ومطيع بن إياس وصالح بن عبد القدوس.


(١) بيل: من نهيرات سواد العراق. سبى الخمر: حملها من بلد إلى بلد.
(٢) يلحاك: يلومك ويشتمك.
(٣) يشير إلى رحيق الفردوس.
(٤) أغانى ١٥/ ٢٨٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>