للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشذوذه، وقد أعفاهم منه أبو العتاهية، إذ نسبه فى الروم (١)، وهو الذى أدّب أبا نواس وأفسده فيما يقول الرواة، ويقول أبو الفرج إنه كان خبيث الدين. وقد ذهب شعره إلا أطرافا رواها أبو الفرج وابن المعتز، وهى تصور كيف كان يجاهر بالفسق والمعصية. وممن خلفوا أبانا وجماعته على هذه المجاهرة بكر بن خارجة مولى بنى أسد، وكان ورّاقا ضيق العيش مقتصرا على التكسب من الوراقة وصرف أكثر ما يكسبه إلى النبيذ، وكان معاقرا للشراب فى منازل الخمارين وحاناتهم وتعشق غلاما نصرانيّا يقال له عيسى بن البراء العبادى الصيرفى، وله فيه قصيدة مزدوجة ذكر فيها النصارى وشرائعهم وأعيادهم وأديرتهم، وفيه يقول (٢):

زنّاره فى خصره معقود ... كأنه من كبدى مقدود

ولم يلبث كثير من شعراء البصرة أن أمعنوا وراء شعراء الكوفة فى هذا الفساد الخلقى، يقودهم الخاركىّ، وفيه يقول أبو نواس: «ما مجنت ولا خلعت العذار حتى عاشرت الخاركى فجاهر بذلك ولم يحتشم فامتثلنا نحن ما أتى به وسلكنا مسلكه، ونحن ومن يذهب مذهبنا عيال عليه» (٣). وكان طبيعيّا أن ينقل شعراء البصرة والكوفة هذا الفساد والتحلل الخلقى إلى بغداد منذ أخذوا يفدون عليها ويقيمون بها فى عهد المهدى ومن تلاه من الخلفاء، يتقدمهم أبو نواس. ومن مجّانها المشهورين الرّقاشى، يقول أبو الفرج: «كان ماجنا متهاونا بمروءته ودينه، وقصيدته التى يوصى فيها بالخلاعة والمجون مشهورة سائرة فى الناس، مبتذلة فى أيدى الخاصة والعامة وهى التى أولها:

أوصى الرقاشىّ إلى إخوانه ... وصيّة المحمود فى ندمانه» (٤)

ويقول ابن المعتز إنها كانت فى الغلمان وشرب الخمر والقمار والهراش بين الديكة والكلاب (٥). وقد اتسعوا فى الحديث عن الخمر ورائحتها ونفحتها ودنانها وسقاتها وحاناتها وأديرنها. وتعرضوا طويلا للرهبان والراهبات وزنانيرهم.

ونرى أبا الفرج حينما يتحدث عن كثير من هؤلاء الخلعاء الماجنين ينصّ على


(١) أغانى ١٦/ ١٤٣. . بعدها.
(٢) أغانى (طبعة الساسى ٢٠/ ٨٧.
(٣) ابن المعتز ص ٦.
(٤) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٦/ ٢٤٦.
(٥) ابن المعتز ص ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>