للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسئولة منذ المهدى عن انتشار هذه الموجة، ومعروف أنه اتخذ ديوانا للزنادقة وكان حريّا به أن يتخذ ديوانا آخر للمجون، ولكنه لم يصنع. وأخذت الموجة تبلغ حدتها العنيفة منذ عصر الرشيد ولكنه لم يحرك ساكنا لا هو ولا من تلاه من الخلفاء، بل لقد أسهم فيها ابنه الأمين إسهاما واسعا، حتى غدا القصر كأنه حانة، إن صح ما يرويه الرواة. ونفس الفقهاء والمتكلمين مسئولون إلى أبعد حد عن شيوع هذا الفسق والفساد وقد مضوا يشغلون عن المجتمع بمباحثهم الخاصة مهملين ما يدعو إليه الدين من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومضى الشعراء من حولهم فى الكوفة والبصرة وبغداد يمعنون فى المجون والفجور، وحقّا صرخ شيوخ البصرة من أمثال واصل ومالك بن دينار فى وجه بشار وغزله المادى الصريح الذى يفسد به نساء البصرة وشبانها، وارتفع صياحهم إلى سمع المهدى، فنهاه عن هذا الغزل، وانتهى على كره ومضض، غير أن شيوخ الكوفة وبغداد لم يرتفع لهما صوت. ونفس شيوخ البصرة بعد عصر بشار لزموا الصمت الطويل، مع اشتداد الفسق والغزل المفحش بالإماء والغلمان، فقد كان لا يعرف الغزل الأخير، وكان لا يبلغ من الإفحاش فى غزل الإماء ما بلغه الجيل التالى له.

والذى لا شك فيه أن الكوفة سبقت البصرة وبغداد جميعا لهذا العصر فى الفسق والمجون، إذ غرقت فيهما إلى أذنيها، وكان مما أعدّ لذلك دار نخاسة كبيرة قامت بها منذ أواخر عصر بنى أمية، وهى دار ابن رامين، وكان قد جلب إليها كثيرات من قيان الحجاز وإمائه المغنيات أمثال سعدة وربيحة وسلامة الزرقاء، وتولع بهن كثير من شباب الكوفة وغيرهم أمثال إسماعيل بن عمار ومحمد بن الأشعث وشراعة بن الزّندبوذ، ونظموا فيهن كثيرا من الأشعار المادية التى لا تخلو أحيانا من الفحش (١). ولم تلبث أن ظهرت جماعة كبيرة من المجان الخلعاء أمثال والبة ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد.

وكان والبة شيطانا مريدا، فهو يسرف فى المجون والخلاعة والغزل الشاذ بالغلمان وكان ينتسب فى قبيلة أسد (٢)، وهى والعرب جميعا برآء منه ومن فحشه


(١) أغانى (طبعة دار الكتب) ١١/ ٣٦٤ وما بعدها و ١٥/ ٥٦ وما بعدها.
(٢) أغانى (طبعة الساسى) ١٦/ ١٤٢ وانظر فى والبة ابن المعتز ص ٨٧ وتاريخ بغداد ١٣/ ٥١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>