للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى عصر المرابطين، وهو يفتخر فى بعض غزله لصاحبته بأنه يمنىّ من حمير وأنهم سيأخذون منها بثأره ويصور لها بأسهم فى الحرب. ويأخذ الفخر عند شاعر الموحدين: ابن حبّوس شكل نصائح يوصى بها الشعراء بل معاصريه جميعا أن يتمثّلوها ليصونوا بها مروءتهم، ويتخذوها شعارات ترسم لهم مثالية خلقية كريمة من مثل قوله (١):

رد الطّرق حتى توافى النّميرا ... فربّ عسير أتاح اليسيرا (٢)

وأرسل قلوصك طورا شمالا ... وطورا جنوبا وطورا دبورا (٣)

وطر حيث أنت قوىّ الجنا ... ح لا عذر عندك أن لا تطيرا

ولا تقعنّ وأنت السّلي‍ ... م حيث تضاهى المهيض الكسيرا

وذو العجز يرضع ثديا حدورا ... وذو العزم يرضع ثديا درورا (٤)

وأول شعار رسمه للشخص كى يحصل على ما يريد مهما يكن عسيرا صعبا أن يتحمّل شرب الماء العكر حتى يصل إلى ما يريد من الماء العذب الصافى وشعار ثان أن يرسل ناقته شمالا وجنوبا وفى كل اتجاه حتى يتحقق له أمله، فلا بد له من العناء ولا بد له من الضرب على أبواب الآمال حتى تنفتح على مصاريعها، ولا بد له من الطيران بعيدا فى آفاق الدنيا حتى يقع على ما يتمناه، وعيب أن تكون أجنحته قوية ولا يطير شأن المهيض الكسير، فالآمال إنما تؤخذ مغالبة وعزما مضطرما، وكأنما العاجز فى الدنيا يرضع ثديا شحيحا، بينما القادر المملوء إرادة وعزيمة يرضع ثديا دارّا له بكل ما يريده من دنياه. ويقول القاضى أبو حفص عمر بن عمر السّلمى المتوفى سنة ٦٠٤ للهجرة (٥):

نهانى حلمى فلا أظلم ... وعزّ مكانى فلا أظلم

ولا بدّ من حاسد قلبه ... بنور مآثرنا مظلم

رحمت حسودى على أنه ... يقاسى العذاب وما يرحم

هجانا افتراء ولسنا كما ... يقول ولكن كما يعلم

والقطعة ردّ بها على بعض من آذاه بهجائه، وكان كبير النفس، فردّ عليه بما يتفق مع شخصيته وسمو نفسه، فقال إن مروءته وحلمه يمنعانه من أن يظلم أحدا وإن ما له من سمو المكانة يمنع أن يتعرض شخص له بظلم أو هجاء، ولا يسلم مثله من حاسد يحسده على مآثره ومكارمه، وإنه ليرحم حاسديه لما يقاسون من عذاب الحسد وما يصيبهم به من الكمد، ويقول إن حاسده يهجوه افتراء. وضمّن ذلك سخرية لاذعة إذ قال إنه ليس كما يقول حاسده


(١) النبوغ المغربى ٣/ ٧١٧ والوافى ١/ ١١١.
(٢) الطرق: الماء العكر. النمير: الماء الصافى.
(٣) الدبور: ريح تهب من الغرب. القلوص: الناقة.
(٤) حدورا: شحيحا.
(٥) النبوغ المغربى ٣/ ٧١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>