للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه كما يعلم من منزلته الرفيعة. ويقول أبو العباس أحمد بن على المليانى رئيس ديوان الإنشاء فى عهد السلطان أبى يعقوب المرينى (١):

العزّ ما ضربت عليه قبابى ... والفضل ما اشتملت عليه ثيابى

والزّهر ما أهداه غصن يراعتى ... والمسك ما أهداه نقس كتابى (٢)

والمجد يمنع أن يزاحم موردى ... والعزم يأبى أن يضام جنابى

وإذا حمدت صنيعة جازيتها ... بجميل شكرى أو جزيل ثوابى

وإذا عقدت مودّة أجريتها ... مجرى طعامى من دمى وشرابى

وإذا طلبت من الفراقد والسّها ... ثأرا فأوشك أن أنال طلابى

وهو فخر يصور نفسا نبيلة إلى أقصى حد، نفسا تستشعر العز كأنما ضرب الشاعر عليه قبابه فأصبح ملازما له لا يغادره، ومثله الفضل الجاثم فى ثيابه، أما الزهر وشذاه فما تكتبه يراعته أو قلمه من الشعر، وأما المسك وعطره فما يكتبه من رسائله البليغة، وإن المجد ليقف حائلا لمن يريد أن يزاحمه فى مورده العذب، ويأبى العزم أن يصاب جنابه بأى ضيم وإذا قدم له شخص صنيعة أو جميلا جازاه بشكره أو بثوابه الجزيل، وإذا عقد مودة لشخص جرت فى دمه مجرى طعامه وشرابه. وهى صورة بديعة. وإذا طلب من الكواكب ثأرا نال مطلبه سريعا. ويقول أبو على اليوسى الدلائى المتوفى سنة ١١٠٢ للهجرة (٣):

إنا أناس لست تبصرنا ... نتحيّن الطّعم التى تزرى (٤)

يعرى الفتى ويجوع وهو يرى ... متجمّلا بالصّبر والبشر

والحرّة الشمّاء ربّتما ... جاعت ولم ترضع على أجر (٥)

والحرّ ليس حياته بسوى ... عزّ الجناب ورفعة القدر

لا بالطعام ولا الشراب ولا ... استلقائه بأرائك وثر (٦)

فهو من قوم لا يتحينون المطاعم التى تزرى بمن يطعمها، وإن الفتى منهم ليعرى ويجوع ومع عريه وجوعه يرى مزدانا بالصبر متحليا بالبشر، ومثله الحرة ترى شمّاء متسامية وتجوع ولا تأكل بثدييها فذلك موت زؤام، والحر مثلها يستشعر العزة ورفعة القدر فهما متاعه من دنياه لا الطعام ولا الشراب ولا المقاعد الوثيرة. ولعمر (٧) الفاسى المتوفى سنة ١١٨٨ هـ‍/ ١٧٧٥ م:


(١) النبوغ المغربى ٣/ ٤٢.
(٢) نقس: مداد.
(٣) النبوغ ٣/ ١٦٧.
(٤) الطعم جمع طعمة: ما يطعم.
(٥) الشماء: المترفعة المتسامية.
(٦) أرائك وثر: مقاعد مترقة.
(٧) النبوغ المغربى ٣/ ٤٩ والحياة الأدبية فى المغرب للدكتور محمد الأخضر ص ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>