للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان خير ما نظم فيها مدحة للبوعنانى يشيد فيها بفتح المولى إسماعيل لمدينة العرائش، وهو يفتتحها بقوله:

ألا أبشر فهذا الفتح نور ... قد انتظمت بعزمكم الأمور

وطير السّعد نادى حيث غنّى ... قد انشرحت بفتحكم الصدور

وقد وافتكم الخيرات طرّا ... وطاب العيش واتصل السرور

وجاهدتم وقاتلتم فأنتم ... لدين الله أقمار تنير

وأطلعتم صوارمكم نجوما ... لدى هيجاء صاحبها كفور

وأنت البدر يوم السّلم حسنا ... وفى يوم الوغى الأسد الهصور (١)

والشاعر فرح بهذا الفتح المبين، حتى ليراه نورا يغمر سناه البلاد والعباد، وكل شئ من حوله فرح، فالطير تتغنى، وقد انشرحت الصدور بما وضع عنها إسماعيل من أثقال كانت تعانى منها عناء شديدا، وأى أثقال أشد من احتلال الوطن واعتصار طيبات الرزق فيه، وقد ردّت إلى أهلها وطاب العيش واتصل السرور بفتح العرائش وفتح طنجة والمهدية قبلها، وقد جاهدتم أصحاب الصليب، وانتصرتم لدين الله الحنيف، وكأنكم أقمار تشع من حولها أضواء منيرة، وكأنما سيوفكم نجوم تحف بكم، وإنك للبدر المنير فى السلم حسنا وفى الحرب الأسد الهصور، ويمضى منشدا:

وفى ثغر العرائش قد تبدّى ... لقدركم على الشّعرى الظّهور

قهرتهم بأبطال عظام ... على الهيجاء كلّهم جسور

وكم رأس من الكفار أمسى ... قطيع الرأس مجرورا يخور (٢)

وكم أسرى وكم قتلى بأرض ... وكم جرحى دماؤهم تفور (٣)

تمرّ بها الطيور فتنتقيها ... وبات الذئب وهو لها شكور

وأضحى الناس كلّهم نشاوى ... على طرب وما شربت خمور

وهو يقول للمولى إسماعيل لقد بدا واتضح لقدركم فى ثغر العرائش النصر المبين، فقد قهرتم العدو بالمغاربة الأبطال ممن تدربوا على الحروب، فكلهم جسور على القتال لا يتخاذل أبدا، وكم رئيس من الكفار أمسى مقطوع الرأس أو مجرورا يتخبط فى دمه صائحا، وإن الأسرى والقتلى لأكثر من أن تحصى سوى الجرحى ودمائهم المتدفقة، ولكأنك أقمت للطير مأدبة تتخيّر منها غذاءها، وقد تجمعت عليها الذئاب، وهى تعوى كأنها تشكرك، وأضحى الناس


(١) الهصور: المفترس.
(٢) رأس: يريد رئيسا. يخور: يصيح.
(٣) تفور: تتدفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>