شيوع ذلك فى أشعاره ابن المعتز يشك فيما نسب إليه من الزندقة مستشهدا بقوله:
وليس بعجز المرء إخطاؤه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه
ولكنه قبض الإله وبسطه ... فلا ذا يجاريه ولا ذا يغالبه
يقول ابن المعتز: «فيا عجبا كيف يمكن أن يقول زنديق مثل هذا القول؟ وكيف يكون قائله زنديقا؟ . وكأنما أحس أنه يصدر فى البيت الثانى عما جاء فى الذكر الحكيم مرارا من أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أى يضيقه ويجعله بقدر قليل. ونراه يتمثل فى شعره أحيانا بعض الأحاديث كقوله:
ولله فى عرض السموات جنّة ... ولكنهما محفوفة بالمكاره
والشطر الأول واضح الصلة بقوله تبارك وتعالى:({جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ}) أما الشطر الثانى فواضح الصلة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «حفّت الجنة بالمكارة وحفّت النار بالشهوات». واستمداد ابن عبد القدوس أحيانا من الحديث النبوى أو من القرآن أو من بعض وعاظ المسلمين مثل الحسن البصرى لا يخرجه من دائرة الزنادقة المانويين، فقد كان يصنع صنيعه أبو العتاهية كما مر بنا فى ترجمته، وزندقته عند ابن المعتز لا يشوبها ريب. أما دعوة ابن عبد القدوس إلى الزهد فى الدنيا الفانية فهى دعوة كان يلتقى فيها المانوية بزهد الإسلام على نحو ما صورنا ذلك فى حديثنا عنهم وعن أبى العتاهية فى غير هذا الموضع، مما جعل بعض القدماء يتشككون فى زندقة أبى العتاهية على نحو ما يتشكك ابن المعتز الآن فى زندقة ابن عبد القدوس. ومما لا شك فيه أنه كان زنديقا مانويّا كبيرا، بل لقد كان رأس المانوية والمجادل عن عقيدتهم فى البصرة حقبا متطاولة.
ويكاد يذهب شعر ابن عبد القدوس كله فى تقرير محاسن الأخلاق والشيم، ناظرا فيها نظرة تجريدية، وهى نظرة دفعته إلى تعقب حكمة العرب والعجم، حتى قالوا إن فى ديوانه ألف مثل للعرب وألف مثل للعجم (١)، وكأنه رصد نفسه لنظم الشعر فى الفضائل وتجارب الأفراد والأمم، ومن خير ما يمثل ذلك عنده