كثيرون منهم إلى الإسكندرية ثم تركوها إلى جزيرة كريت وانتزعوها من أيدى البيزنطيين وأنشئوا فيها دولة إسلامية سنة ٢١٢ هـ/٨٢٧ م ظلت بها أكثر من قرن إلى أن استعادها البيزنطيون سنة ٣٥٠ هـ/٩٦١ م وحشد كبير اتجه إلى فاس فى المغرب الأقصى وكان إدريس الثانى يبنيها فجعلها عدوتين: عدوة للمغاربة وعدوة للأندلسيين، ويقال إنه نزلها منهم أربعمائة أسرة سوى من نزلوا فى بلاد المغرب الأقصى الأخرى. ونمضى إلى القرن السابع الهجرى فتسقط-كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع-قرطبة وبلنسية ودانية وإشبيلية فى حجر الإسبان، ثم تسقط مرسية، وتهاجر منها جميعا إلى المغرب الأقصى أفواج من الأندلسيين باحثة لها عن موطن جديد فى فاس وفى غير فاس، ويرحب بهم المغاربة ويفسحون لهم فى أسباب العيش. وأخذت هذه الهجرة الأندلسية تتسع بعد سقوط غرناطة سنة ٨٩٧ هـ/١٤٩٢ م وخروج العرب من الجزيرة الأندلسية فإن كثيرين منهم نزلوا المغرب الأقصى واتخذوه وطنا ثانيا لهم، حتى إذا اتخذ فيليب الثالث ملك إسبانيا سنة ١٠١٨ هـ/١٦٠٩ م قرارا بطرد كل المسلمين من إسبانيا التجأت منهم أفواج كثيرة إلى المغرب الأقصى متخذة منه شاطئ نجاة، ورحب بهم المغاربة كما رحبوا-من قديم-بمن نزل بينهم لعهد الحكم الربضى ثم لعهد سقوط المدن الكبرى فى القرن السابع الهجرى، ثم لعهد سقوط غرناطة. ودائما كان الحضريون من الأندلسيين فقهاء وعلماء وأصحاب صناعات ينزلون المدن ويستقرون فيها وكان الفلاحون والزراع منهم ينزلون سهول المغرب الأقصى ووديانه وتلاله، وارتقوا فيه بطرق الرى والزراعة والغرس التى ألفوها فى الأندلس سواء فى السهول والوديان أو فى التلال أو فى مرتفعات الجبال، واختار كثيرون منهم-منذ سقوط غرناطة-منطقتى الريف والهبط فى الشمال. وتحول غير قليلين منهم إلى قراصنة يغيرون على سفن إسبانيا وشواطئها والسفن الأوربية انتقاما من إخراجهم كرها من وطنهم الأندلسى. وكانت هذه الأفواج الأندلسية أكثر حضارة وثقافة من المغاربة، فأفادوا منهم حضاريا وثقافيا فوائد كثيرة بجانب الفوائد المادية والاقتصادية من الحرف والصناعات وأساليب الزراعة، وبمرور الزمن اندمجوا فى الشعب المغربى اندماجا تاما.
والعنصر الرابع اليهود وكان أول نزول لهم فى المغرب بالقرن الثالث ق. م على عهد الفينيقيين وكثر نزولهم فيه بعد تحطيم القيصر تيتوس لمعبد بيت المقدس سنة ٧٠ للميلاد ويبدو أنهم اختلطوا بالبربر إذ حاولوا نشر دينهم فيهم واعتنقه بعض البربر، ولا بد أن دخل منهم كثيرون المغرب الأقصى فى أثناء المدّ الفينيقى والرومانى، وظلوا بالمغرب بعد الفتح الإسلامى ناعمين بما يعطيه الإسلام لأهل الذمة: اليهود والنصارى من الحرية فى إقامة شعائرهم مع المعاملة الحسنة، وربما نزح إليهم فى العهود الإسلامية يهود من فلسطين، حتى إذا سقطت غرناطة أخذ ينزح إلى المغرب عامة والمغرب الأقصى خاصة يهود كثيرون ممن كان يضطهدهم نصارى الإسبان كما اضطهدوا المسلمين، وشملهم قرار فيليب الثالث المار ذكره بطردهم من إسبانيا مثل