للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستجاب له جمع ضخم كما يقول صاحب المعجب (١) فأنزل طائفة بنواحى قرطبة وطائفة بنواحى إشبيلية، وأقاموا هنالك. وفى سنة ٥٧٧ هـ‍/١١٨٢ م وفد على الخليفة بعده ابنه يوسف حشد كبير من قبيلة رياح وضعوا أنفسهم تحت تصرّفه وعبر كثيرون منهم معه إلى الأندلس. ولما خرج ابنه يعقوب المنصور لاسترجاع قفصة وقابس واستعادهما خرجت عليه فى هذه الأثناء بقايا من قبائل رياح الهلاليه وأخواتها من قبائل جشم والأثبج، فردهم إلى طاعته، ولاذوا بدعوته، فأمر بنقلهم إلى المغرب الأقصى لكفّ عدوانهم عن المغرب الأوسط، وصدعوا لأمره، فأنزل بنى رياح فى مناطق الهبط وأزغار وفاس مما يلى سواحل طنجة إلى سلا، وأنزل بنى جشم فى تامسنة وما وراءها من الأراضى، وأنزل الأثبج فى منطقتى دكالة وتادلة. ويبدو أن بطون بعض هذه القبائل تحركت من منازلها بعد عصر الموحدين إلى منازل جديدة استقرت فيها إذ يذكر الحسن (٢) الوزان فى القرن العاشر الهجرى أن بعض فروع رياح سكنوا منطقة دكالة وضواحى مينائها آسفى على المحيط وأن فروعا أخرى سكنت منطقة حاحة وسهولها، كما يذكر أن فرع المنتفق من أثبج تحول شمالا وسكن أزغار، وأن فرع صبيح منها تحرك جنوبا وسكن السهول الواقعة بين سلا ومكناس. ويقول إن يعقوب فتح لعامة العرب نوميديا أى الصحراء فى جنوبى الجزائر متداخلة مع شطر من الصحراء فى المغرب الأقصى، ولعل ذلك ما جعل بعض بطون القبائل العربية أو الأعرابية فى نوميديا ينزح إلى موريتانيا الشرقية ويتغلغل إلى وادى ملوية شمالا ووادى أو نهر درعة جنوبا. ومن أهم هذه القبائل المعقل، يقول ابن خلدون: «هذا القبيل لهذا العهد (فى القرن الثامن الهجرى) من أوفر قبائل العرب، ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى وينتهون إلى البحر المحيط من الغرب» وبطونهم كثيرة، وتستولى على ملوية كلها إلى سجلماسة، وتصعد إلى ممر تازا وأنحاء تادله وتلال مكناسة، واستولت على السوس الأقصى وانتجعت فى الرمال إلى مواطن الملثمين (٣)، ونلتقى بسليم قرب وادى درعة، وتشتغل بالتجارة (٤) وتذهب مع سلعها فى قوافل إلى تمبكتو، وأهلها أثرياء ولهم أملاك وأراض زراعية كثيرة فى درعة. وكل القبائل التى ذكرناها أخذت بطونها تمتزج بأهل المغرب الأقصى بحيث أصبح عربيا دينا ولغة.

والعنصر الثالث فى المغرب الأقصى هو الأندلسيون الذين أخذوا فى الهجرة إليه منذ عهد الحكم الربضى فى أواخر القرن الثانى الهجرى وأوائل الثالث إذ أوقع بفقهاء قرطبة وقعة الربض المشهورة وأمر بطردهم من الأندلس، وكانوا مع من اشتركوا معهم فى الوقعة ألوفا، وذهب


(١) انظر فى استنفار عبد المؤمن للأعراب المعجب ص ٢٩٤ وانظر فى استنفار يوسف ويعقوب لهم وإسكان يعقوب لقبائلهم المغرب الأقصى ابن خلدون ٦/ ٢٠، ٢١، ٢٤.
(٢) انظر كتابه وصف إفريقيا ص ٥٦ وما بعدها.
(٣) راجع ابن خلدون ٦/ ٥٨.
(٤) وصف إفريقيا ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>