طنجة وقتل واليها، ونازلته جيوش الدولة الأموية مرارا، وكان النصر حليفه، ومرّ بنا-فى الفصل الماضى-أن قائدين صفريين هاجما القيروان سنة ١٢٤ هـ/٧٤١ م وباء بهزيمة ساحقة. وفى سنة ١٣٨ هـ/٧٥٥ م هاجمت ورفجومة القيروان واستباحتها وخلّصها منها أبو الخطاب عبد الأعلى إمام الإباضية فى طرابلس. وتدور الأعوام وتنشأ الدولة الإدريسية، وتأخذ فى القضاء على الصفرية فى شمالى المغرب الأقصى وينسحبون إلى سجلماسة ودولة بنى مدرار. وأخذ إدريس الثانى (١٧٥ - ٢١٣ هـ) يستكثر من العرب فى حاشيته حتى بلغوا خمسمائة. وهى أول دولة عربية إسلامية تنشأ فى المغرب الأقصى وقد عملت على تحفيظ القرآن الكريم ونشر حلقات القراء والمحدثين والمفسرين والفقهاء فى جميع مدنها والعناية بتعليم المغاربة العربية. وجاءها كثيرون من فقهاء تونس والمشرق ولاذ بها أربعمائة أسرة من أسر الأندلس الفقهية، وجعلت عاصمتها عدوتين: عدوة للمغاربة سمتها عدوة القرويين وعدوة للأندلسيين. ونمضى إلى منتصف القرن الخامس الهجرى وتحدث الهجرة الأعرابية الكبرى لبنى هلال وبنى سليم إلى ديار المغرب، ويقال إنهم كانوا نحو نصف مليون من الأعراب، ويقال بل كانوا مليونا أو يزيدون، ولم يكونوا طلاب حكم وملك، ولذلك لم يقيموا لهم دولة فى المغرب، إنما كانوا طلاب مواطن يقيمون فيها، وانساحوا كسيل عرم فى برقة وطرابلس وإفريقية التونسية والجزائر، وكأنما وجدوا فى كل ذلك ما يغنيهم عن الانسياح فى المغرب الأقصى واكتساحه ولا يمضى على هذا الطوفان للهلاليين وبنى سليم نحو قرن حتى يستنجد أهل طرابلس وإفريقية التونسية بعبد المؤمن بن على سلطان الموحدين لاستيلاء النور مانديّين بأساطيلهم على سواحل طرابلس وجزيرة جربة وميناء المهدية وغيرها من موانى إفريقية التونسية ورأى واجبا عليه أن ينقذ تلك البلدان وخرج بجيش ضخم إليهم وأخذ يستولى به على مدن الجزائر. وعلم وهو بيجاية أن القبائل الهلالية، وهى الأثبج وزغبة ورياح وقرة تتجمع مع صنهاجة لحربه، وأرسل إليها جيشا نازلها ثلاثة أيام وانتصر عليها فى اليوم الرابع وفر الأعراب تاركين وراءهم الأهل والمال، فأمر بنقل النساء والأولاد إلى مراكش والعناية بهم. ولما أتم رحلته واسترد طرابلس والمهدية وغيرها من موانى إفريقية التونسية وعاد إلى عاصمته مراكش أمر أن يكتب إلى سادة بنى هلال أن نساءهم وأولادهم فى الحفظ والصيانة، فوفدوا عليه وأكرمهم وردّ عليهم نساءهم وأولادهم وأسبغ عليهم أموالا وافرة، ونقل منهم إلى المغرب الأقصى ألفا من كل قبيلة بأسرهم، ولما عزم على زيارة الأندلس سنة ٥٥٨ هـ/١١٦٣ م دعا عرب بجاية إلى العبور معه للأندلس للجهاد برسالة تلتهب حماسة ختمها بأبيات من نظمه استهلها بقوله:
أقيموا إلى العلياء هوج الرّواحل ... وقودوا إلى الهيجاء جرد الصّواهل