وربما أتقنها منهم كثيرون. وتنشب منذ أواسط القرن الثالث قبل الميلاد حتى أواسط القرن الثانى حروب بين قرطاجة عاصمة الفينيقيين وروما ويكتب النصر لروما، وتؤول إليها ديار المغرب بما فيها من المدن الفينيقية، وتصبح مليلة وطنجة وأصيلا تابعة لهم، وينشئون على ساحل البحر المتوسط بقرب الزقاق مدينة سبتة وتوغلوا على المحيط، وأنشئوا لهم موقعا أو مدينة هى سلا، ومدينة ثانية أو موقعا هو أنفه (الدار البيضاء) ويتوغلون فى الداخل وينشئون مدينة وليلى. وظلوا فى المغرب نحو ستة قرون إلا قليلا، وطبيعى أن يؤثروا فيه بحضارتهم الرومانية وخاصة فى المدن التى كان لهم فيها جاليات ولما اعتنقوا الدين المسيحى حاولوا نشره فى البلاد المغربية وخاصة الساحلية. غير أن من دخلوا فيه من البربر-وخاصة فى المغرب الأقصى-كانوا قلة، فقد ظلت جماهير المغرب وثنية. واكتسح الوندال ما ملكته روما من البلدان المغربية، وكانوا شعبا حربيا غير متحضر فلم يتركوا فيها أثرا، وخلفهم البيزنطيون، ولم يحاولوا نشر شئ من ثقافتهم ولا حضارتهم فى البلاد المغربية.
والعرب هم العنصر الثانى فى المغرب الأقصى بعد البربر، وقد جاءوا إلى المغرب فى خلافتى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لا طلبا للاستيلاء على ما فيه من طيبات الأرض وثمارها وإنما طلبا لنشر دين الله حتى لا يعبد فى الأرض إله سواه وحتى تعم تعاليمه الداعية إلى العدل والمساواة بين الناس، وأخذ ولاة القرن الأول الهجرى أنفسهم بتطبيق هذه التعاليم، مما جعل المغاربة يدخلون فى الدين الحنيف أفواجا. حتى إذا تكاثر المسلمون منهم فى عهد واليهم حسان بن النعمان كوّن منهم كتيبة عدادها اثنا عشر ألفا وولّى على قبيلة جراوة فى الجزائر واليا منها. وهو رمز لما كان يأخذ به ولاة القرن الأول الهجرى فى المغرب من المساواة بين العرب والبربر فى الجهاد والحكم. ويتسع ذلك فى عهد خلفه موسى بن نصير، إذ يولّى على طنجة واليا بربريا هو طارق بن زياد، ويعهد إليه بفتح الأندلس، فيغزوها على رأس حملة أكثر جنودها من البربر، ويلحق به على رأس حملة ثانية فيكمل الفتح معه. ويتقاسم شرف هذا الفتح عربى هو موسى بن نصير وبربرى هو طارق بن زياد، وجيش مؤلف من العرب والبربر. وبذلك لم يعد فى ديار المغرب أى فارق بين عربى وبربرى، غير أننا لا نكاد نمضى فى القرن الثانى الهجرى حتى تنكب البلاد العربية بخلفاء أمويين لا يحسنون تدبير الملك فيولون على ديار المغرب ولاة جبارين يظلمون أهلها فى الخراج وغير الخراج غير واعين لتعاليم الإسلام فى المساواة والعدالة بين المسلمين، ويبلغ السفه والعته بوالى طنجة أن يصرّح بأنه عازم على تخميس أراضى البربر زاعما زعما مخطئا أنها غنائم حرب. وتنادى كثيرون من المغاربة كيف الخلاص من هذا الظلم الفادح، وسرعان ما أخذ دعاة الخوارج من الصفرية والإباضية يوضحون لهم أن الخلاص الحقيقى إنما هو فى اعتناق دعوتهما التى تسوّى بين المسلمين فى جميع الحقوق. واعتنق مذهب الصفرية فى المغرب الأقصى كثيرون وكوّنوا جيشا استولى على