يعرف بدعاء ساعة ودعاء يعرف بدعاء الأيام السبعة، وكتاب يعرف بالسجعات العشر فى الوعظ، وكتاب يعرف بسيف الخطب، وفيه خطب الجمع والعيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وعقد الزواج، وقد بنى سجعها على الحروف السهلة مثل الهمزة والباء والتاء والدال واللام والميم والنون، لأن الكلام المقول فى الجماعات ينبغى أن يكون لينا سهلا. وله كتاب تاج الحرة، وهو فى عظات النساء خاصة. وكل هذه الكتب سقطت قديما من يد الزمن، وبقى من عظاته قسم كبير من كتابه الفصول والغايات، وسنخصه بحديث عما قليل.
ويحتدم الوعظ منذ نزول الصليبيين الشام لبث الحمية الدينية فى نفوس الناس، حتى يجاهدوا فى سبيل الله، ويضربوا حملة الصليب الضربات القاضية. واشتهر كثيرون حينئذ بروعة وعظهم، منهم بنو العديم فى حلب لعهد نور الدين، ومنهم ابن نجا خطيب دمشق المولود بها سنة ٥٠٨ والمتوفى بالقاهرة سنة ٥٩٩، ومنهم محيى الدين محمد بن الزكى قاضى دمشق وخطيبها، وهو الذى خطب أول جمعة صلّيت بالقدس بعد فتحه، وسنلم بخطبته.
ومن الوعاظ المشهورين حينئذ المهذب الدمشقى الذى لقيه العماد الأصبهانى-كما يقول بخريدته-بدمشق سنة ٥٧١ وسنلم برسالة أدبية له ذكرها العماد ويعدّ سبط ابن الجوزى يوسف بن قزوغلى أكبر واعظ شهدته دمشق طوال النصف الأول من القرن السابع الهجرى حتى وفاته سنة ٦٥٤ وقد نزلها سنة ٦٠٠ واتخذها مسكنا ودار إقامة. وكان قد نشأ فى حجر جده ابن الجوزى واستمع إلى مواعظه الرائعة التى نوهنا بها فى حديثنا عن العراق، وطارت شهرته فى الوعظ كما طارت شهرة جده، وكان يحضر مجلسه القضاة والأشراف والأعيان «ونالته السعادة والوجاهة عند الملوك، لا سيما الملك المعظم عيسى صاحب دمشق فإنه كان عنده بالمنزلة العظمى، وكان له لسان حلو فى الوعظ والتذكار ولكلامه موقع فى القلوب (١)» ويصف أبو شامة مجلس وعظه فى كتابه «ذيل الروضتين» فيقول: «كانت مجالس وعظه من محاسن الدنيا ولذاتها. وكان يزدحم فى مجلسه ما لا يحصى من الخلق رجالا ونساء، والنساء بمعزل عن الرجال فى جامع دمشق، وجامع الجبل، حضرت مجالسه صغرى وكبرى فى الموضعين مرارا، وكان لا يفارق أحد مجلسه إذا انفضّ إلا وشوقه مستمر إلى عودته فى الأسبوع الآخر. وكان يجلس [للوعظ] كل سبت وتبسط السجادات والحصر والبسط فى كل المواضع القريبة من المنبر ما بينه وبين القبة فى يوم الجمعة،