الزاب ووادى نهر شلف، وكانت جاءته هدية ثمينة من الخليفة الفاطمى بها فيلة وزرافات تبارى الشعراء القيروانيون فى وصفها، وتوفى سنة ٣٨٦ هـ/٩٩٦ م وخلفه ابنه باديس أبو مناد، ولما جاء تقليد الخليفة الفاطمى له أمور إفريقية سنة ٣٨٧ هـ/٩٩٧ م أقام بالمهدية موكبا استعرض فيه الجنود وسفن الأسطول وقذف النفّاطون بالنار، ولعبت بين يديه الفيلة والزرافات وإبل شديدة البياض. واستقرت له الأمور فى إفريقية التونسية، وثارت عليه قبيلة زناته فى المغرب الأوسط (الجزائر) سنة ٣٨٨ هـ/٩٩٨ م فسيّر إليها جيشا جرارا وجعل عمه حمادا قائده، وله ملك ما يفتحه، وانتصر عليهم، وعاد إلى قسنطينة، وأسس لنفسه قلعة حصينة نسبت إليه باسم قلعة بنى حماد، وجعلها قاعدة لحكمه ومركزا لجيشه، ويبدو أن باديس ندم على ما تعهد به لعمه أن يمتلك ما يفتحه، فطلب إليه التنازل عنه، وأبى حماد، ونشبت بينهما حروب كادت ترجح فيها كفة باديس، غير أن الموت عاجله-وهو يوشك على النصر-فى المحمدية بالجزائر سنة ٤٠٦ هـ/١٠١٥ م.
وتولّى المعز بعد أبيه باديس وكان فى الثامنة من عمره فقام بشئون الدولة كبار رجالاتها وأعمامه ما عدا حمادا فإنه ظل مصمما على الاستقلال بقلعته عن القيروان وابن أخيه المعز، واستولى على بعض مدن فى الزاب، ونازله جيش للمعز سنة ٤٠٨ هـ/١٠١٧ م وهزمه فتقدم يطلب الصلح مع المعز حقنا للدماء على أن يظل مواليا له مع تمتعه بالاستقلال فى قلعته ومنطقته.
وانقسمت بذلك دولة صنهاجة إلى إمارة شرقية عاصمتها القيروان وإمارة غربية عاصمتها قلعة بنى حماد، وبلغ المعز سن الرشد وكان يحسن تدبير الحكم فنبه ذكره وعلت شهرته وهادته الملوك على تنائى الديار، إذ جاءته هدية من السودان تحمل إليه عبيدا وزرافات وأسودا، وجاءته هدية من قيصر القسطنطينية، وجاءه تقليد من الخليفة الفاطمى بلقب شرف الدولة. وكان الشعب حانقا على العقيدة العبيدية لمبادئها المنحرفة عن روح الإسلام، وأخذت تنشب فى القيروان ثورات على أتباع تلك العقيدة، فتابع المعز شعبه، وخلع طاعة الفاطميين فى القاهرة، وحمل جميع رعيته على مذهب الإمام مالك الذى ارتضته المغرب وفقهاؤها منذ القرن الثانى الهجرى، حتى إذا وافت سنة ٤٣٨ هـ/١٠٤٧ م كشف القناع عن وجهه وأمر بقطع اسم خلفاء القاهرة الفاطميين من خطب الجمعة وذكر اسم الخليفة العباسى فى بغداد. وبذلك تطهّر المغرب على يده من المذهب الشيعى الاسماعيلى الفاطمى. وحين جاءت هذه الأنباء الخليفة الفاطمى امتلأ غيظا وموجدة، فعرض عليه أحد وزرائه المسمى باسم اليازورى أن يتخلص من جموع نجدية بدوية نزلت بشرقى النيل فى الصعيد وأخذت تعيث فيه فسادا بدفعها إلى المغرب لضرب المعز بن باديس والقضاء على سلطانه ونفوذه، ولقى هذا العرض استحسانا من المستنصر، وأقبلت جموع هؤلاء الأعراب-وكانت تقدر بمئات الألوف-على ليبيا وإفريقية التونسية وواقعت المعز، وهزمته، واضطرته إلى إخلاء القيروان والانتقال إلى المهدية-وكان عاملها ابنه تميم-فانتقل