للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما للحشيشة فضل عند آكلها ... لكنه غير مصروف إلى رشده

صفراء فى وجهه خضراء فى فمه ... حمراء فى عينه سوداء فى كبده

وهو يقبّحها غاية التقبيح بآثارها فى ما ضغها من صفرة تعترى وجهه وحمرة تشوب عينه وسواد لا يزول فى كبده. ويقول مجير الدين بن تميم المتوفى سنة ٦٨٤ للهجرة فى هجاء كحّال (١):

دعوا الشيخ من كحل العيون فكفّه ... يسوق إلى الطّرف الصحيح الدواهيا

فكم ذهبت من ناظر بسواده ... وألقت بياضا خلفها ومآقيا

فكحله يعمى الأبصار ويقضى قضاء مبرما على سوادها ونظرها ولا يبقى بها بصيصا ولا غير بصيص. ولبعض شعراء دمشق فى هجاء القاضى شهاب الدين أحمد الباعونى الشافعى المتوفى سنة ٨١٦ للهجرة (٢):

قضاء الشام أنشدنى ... بدينى لا تبيعونى

صفعت بكلّ مصفعة ... وبعد الكلّ باعونى

وكأنه أدخله فيما نزل بهذا القضاء من صفعات متوالية. وفى كلمة «باعونى» تورية واضحة فهو لا يقصد «باعونى» من البيع وإنما يقصد القاضى الباعونى.

ويظل الهجاء على ألسنة الشعراء يرمون بسهامه من لا يروقهم من الحكام ومن لا يسبغ عليهم نواله حتى أيام العثمانيين، على شاكلة قول يوسف بن عمران الحلبى المتوفى سنة ١٠٧٤ للهجرة فى بخيل (٣):

بخيل لو بيوم منه جادت ... أنامله لغالته النّدامه

ولو فى النار ألقى ألف عام ... لما عرفت له يوما سلامه

ولو صارت بسفرته رغيفا ... ذكاء لما بدت حتى القيامه

فهو شحيح لو فاته شحّه يوما لظل نادما أبدا. وما ترجى له سلامة من النار بل سيظل خالدا فيها، وإن مائدته لتخلو دائما من كل طعام حتى من الخبز ورغفان العيش المستديرة كالشمس،


(١) فوات الوفيات ١/ ٥٤٠
(٢) النجوم الزاهرة ١٤/ ١٢٤
(٣) ريحانة الألبا ١/ ١٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>