للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول أعشى همدان (١).

شهدت عليكم أنكم سبئيّة ... وأنى بكم يا شرطة الكفر عارف

وأقسم ما كرسيّكم بسكينة ... وإن كان قد لفّت عليه اللفائف (٢)

وإن لبّس التابوت فتنا وإن سمت ... حمام حواليه وفيكم زخارف (٣)

ولعل أهم فرقة شيعية بعد فرقة الكيسانية لهذا العصر هى فرقة الزيدية أتباع زيد بن على الذى ثار فى الكوفة سنة ١٢١ لعهد هشام بن عبد الملك، وقتل كما مرّ فى غير هذا الموضع، وكان يؤمن بحقوق بيته فى الخلافة غير أنه لم يكن يؤمن بالنص فى الإمامة ولا ببقية الآراء الغالية عن الكيسانية وأشباههم، وكان يجوّز إمامة المفضول مع وجود الأفضل وبذلك جوّز إمامة أبى بكر وعمر مع وجود على، وذهب إلى أن كل فاطمى عالم زاهد سخى شجاع قادر على القتال فى سبيل الحق يخرج للمطالبة به يصح أن يكون إماما. وبكل ذلك كانت فرقة الزيدية-فى نشأتها-من أكثر فرق الشيعة اعتدالا (٤)، وشاعرها الأول الذى عاش يردّد نظريتها الكميت، وهاشمياته مطبوعة ومشهوره. وخرج بعد زيد ابنه يحيى ولكنه قتل سنة ١٢٥ دون غايته. وخرج من بعده عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر سنة ١٢٧ وانضم إليه كثيرون من أهل الكوفة، وانتهى أمره بخروجه إلى بلاد الجبل ثم فراره وقتله. غير أن رايات الشيعة لا تلبث أن تقدم من خراسان، وتكون نهاية بنى أمية.

ومن المحقق أن هذه الإنقسامات العنيفة فى صفوف الأمة العربية لعصر بنى أمية وما جرّت إليه بين أبنائها من تطاحن ومعارك دامية جعلها تنتكس صورتين من الانتكاس: صورة سياسية إذ ظلت طوال هذا العصر مشغولة بفتن وحروب داخلية لو لم تشغل بها لفتحت أكثر العالم ولتغيّر وجه التاريخ.

وصورة اجتماعية إذ انقسم الشعب أحزابا وصفوفا تتحارب وتتناحر فى سبيل


(١) الحيوان ٢/ ٢٧١.
(٢) يشير إلى الآية الكريمة التى كان يقصدها المختار فى اتخاذ كرسيه: (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
(٣) فتن: جمع فتان وهو الغشاء.
(٤) أنظر فى الزيدية وعقيدتهم الملل والنحل ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>