للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الكافور فى خزائن كسرى فاستعملوه فى عجينهم. فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم واستعملوهم فى مهنهم وحاجات منازلهم، واختاروا منهم المهرة فى أمثال ذلك والقومة عليه، أفادوهم علاج ذلك والقيام على عمله والتفنن فى أحواله، فبلغوا الغاية من ذلك، وتطوّروا بطور الحضارة والترف فى الأحوال واستجادوا المطاعم والمشارب والملابس والمبانى والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون والخرثىّ (١) فأتوا من ذلك وراء الغاية (٢)».

وقد ورث العرب فى الشام المدن هناك ولم يمصّروا أمصارا جديدة، وبذلك عاشوا فى نفس المدن والدور والقصور التى كانت قبل الفتوح تتنفّس الحضارة اليونانية الرومانية. وكان ذلك سببا فى سرعة تحضرهم، إلا من آثر منهم العيش فى البادية. وكانت هناك دمشق حاضرة الدولة التى أخذت تسيل إليها سيول الذهب والفضة من كل قطر، ثم توزّعها فى الناس من أهل الشام أولا ثم من أهل البلدان الأخرى، واستنّ لهم ذلك معاوية الذى كان يرد بالناس على أرجاء واد رحب (٣)، ويؤثر عنه أنه كان يقول إننا تمرغنا فى نعيم الدنيا تمرغا (٤). ويظهر إثم هذا النعيم فى ابنه يزيد الذى عرف عنه كما قدمنا أنه كان «يشرب الخمر ويعزف بالطنابير وتضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب». ويخلفه مروان ابن الحكم وأبناؤه الذين أحاطوا أنفسهم بكل ما يمكن من أبهة الملك لا فى قصورهم التى كانت تزدان بالطنافس وتلمع على حيطانها الفسيفساء وصفائح الذهب وتترامى فى أفنيتها النافورات فحسب، بل أيضا فى بيوت الله، وعناية عبد الملك بالمسجد الأقصى وقبّته التى تعد إحدى عجائب الدنيا مشهورة، وكذلك عناية الوليد ابنه بالجامع الأموى فى دمشق وزخرفته بالرخام والفسيفساء والزجاج الملون أشهر من أن نقف عندها (٥)، ولا تزال من ذلك بقية إلى اليوم. وقد بسط هذه العناية على المسجد الحرام فى مكة، فأحاله تحفة رائعة (٦). ومما يذكر له من مآثر أنه عمّ بعطائه المجذّمين وقال لهم: لا تسألوا


(١) الخرثى: أثاث البيت.
(٢) مقدمة ابن خلدون (طبعة المطبعة البهية بمصر) ص ١٢١.
(٣) طبرى ٤/ ٢٩٨.
(٤) طبرى ٤/ ٢٤٧.
(٥) الحيوان للجاحظ ١/ ٥٦.
(٦) اليعقوبى ١/ ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>