للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس، وأعطى كل مقعد خادما وكل ضرير قائدا (١). وتفنّن الناس لعهده فى بناء الدور والقصور، وخلفه سليمان فصبّ عنايته على الملابس والمطاعم وتأثّره الناس لعهده تأثرا واسعا (٢). وتظهر ضريبة هذا الترف عند يزيد بن عبد الملك الذى وصفه أبو حمزة الإباضى، فقال: إنه «يشرب الخمر ويلبس الحلّة قوّمت بألف دينار. . . حبابة عن يمينه وسلاّمة عن يساره تغنيانه حتى إذا أخذ الشراب منه كل مأخذ قدّ ثوبه، ثم التفت إلى إحداهما فقال: ألا أطير» (٣) وقد أرسل فى طلب مغنى الحجاز، فجاءه منهم كثيرون.

ولم تكن حمول الذهب والفضة تحمل وحدها إلى بنى أمية من الآفاق، فقد كانت تحمل معها حمول الجواهر واللآلئ كما يحدثنا الجهشيارى (٤)، ويروى الطبرى أن يوسف بن عمر حمل إلى هشام بن عبد الملك لآلئ حبّها أعظم ما يكون وحجرا من الياقوت يخرج طرفاه من الكف، قوّم بثلاثة وسبعين ألف دينار (٥). وقد بلغ الترف أقصاه فى عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك الذى عاش للهو والغناء، حتى تحوّل قصر الخلافة فى عهده إلى ما يشبه دارا كبيرة من دور اللهو، ويقولون إنه «كان يلبس حول عنقه قلائد ذهبية مرصّعة بالأحجار الكريمة، ويغيّرها فى اليوم مرارا كما تغيّر الثياب شغفا (٦)».

ومن المؤكد أن أفراد العرب فى الشام لم يتحولوا جميعا إلى مثل الوليد بن يزيد ولا إلى مثل أبيه فى هذا الترف الآثم، إنما المؤكد أنهم تحضروا وأن نفرا منهم أترفوا، بعضهم من أمراء البيت الأموى وبعضهم من الرعية. وبالمثل تحضّر من نزلوا فى الفسطاط والقيروان والأندلس، وكانت كثرتهم من عرب الشام، الذين أصابوا حظّا من الحضارة قبل الفتوح لنزولهم قديما فى تلك البيئة المتحضرة.


(١) طبرى ٥/ ٢٦٥.
(٢) طبرى ٥/ ٢٦٦.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ١٢٣.
(٤) نظر الوزراء والكتاب للجهشيارى ص ٢٧، ٣٤.
(٥) طبرى ٥/ ٥١٩.
(٦) أغانى ٧/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>