للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عربية مترجمة على نحو ما يتضح عند شعراء الدولة الغزنوية: منوجهرى والعسجدى والعنصرى والفرّخى. ونما عندهم-على نحو ما هو معروف-شعر التصوف، ولكنه يتغذى فى نشوئه ونموه جميعا بشعر التصوف العربى عند الحلاج وأضرابه من القدماء وعند ابن العربى وابن الفارض والسّهرورديّين. ولا يوجد شاعر صوفى من فريد الدين العطار إلى عبد الرحمن الجامى إلا وهو يحسن العربية ويتربى ثقافيا فى مهادها، ولذلك دائما نجد لشعرائهم الصوفيين شعرا عربيا، وهو يقل عند بعضهم حقا، ولكنه على كل حال يرمز فى قوة إلى هذا التواصل الوثيق (١) بين شعراء الفارسية وشعراء العربية. وشاعت بينهم طريقة هى أن يقتبسوا فى بعض منظوماتهم شطورا أو أبياتا عربية، ويسمون ذلك الملمّع، فالشطر أو البيت العربى يلمع فى المنظومة كما تلمع المنارة وتتألق. ويكثر عندهم وراء هذه الشطور والأبيات أن يضمنوا كثيرا من أبيات منظوماتهم معانى أبيات عربية، فضلا عما يضمنونها من الآيات القرآنية والأحادث النبوية. وللدكتور حسين محفوظ بحث طريف بعنوان «متنبّى وسعدى» طبعه فى طهران، وفيه يذكر آيات الذكر الحكيم فى شعر سعدى الشّيرازى، وتشغل من البحث نحو عشرين صحيفة، ويتلوها ما استظهره سعدى من الأحاديث النبوية فى نحو ثلاثين صحيفة، ويعرض تضمينه لمعانى أبيات الشعر العربى فى أشعاره فى نحو خمسين صحيفة، وهى أبيات تمتد من العصر الجاهلى إلى العصر العباسى مصوّرة بقوة ثقافة سعدى الشّيرازى بالشعر العربى على مر العصور، ويلى ذلك تضمين سعدى أشعاره معانى أبيات المتنبى فى نحو خمسين صحيفة. وبجانب ذلك يذكر أشعار سعدى العربية الخالصة. وسعدى أو الشيخ سعدى هو أحد ثلاثة يعدّون أنبه شعراء الفرس فى تلك الحقب، والاثنان الآخران جلال الدين الرومى وحافظ الشيرازى، بل ربما كان هو أكثر الثلاثة شعبية ومحبة بين أبناء قومه. فإذا قلنا إن الشعر الفارسى كان دائم الاتجاه إلى الشعر العربى، وكان هذا الشعر دائما يقع منه موقع البوصلة أو موقع الإبرة المغناطيسية يجذبه إليه فى قوة لم نكن مغالين.

وليس هذا كل ما يلاحظ من ولاء الشعر الفارسى للشعر العربى فى تلك القرون، فإننا نجد أصحابه يعنون منذ نشأته بمصطلحات البديع التى أخذت تتزايد وتتراكم بين شعراء العربية فى إيران وغير إيران، وأكبر مثل يوضح ذلك «كتاب حدائق السحر فى دقائق الشعر» لرشيد الدين الوطواط المتوفى سنة ٥٧٣ للهجرة، وقد أورد فيه ستة وخمسين فنّا


(١) من يرجع إلى كتابات الثعالبى والباخرزى يعرف أن هذا التواصل قديم فقد كان كثير من الشعراء بحسن اللسانين وينظم بهما. انظر اليتيمة ٤/ ٨٨ ودمية القصر ٢/ ٢٦٠، ٢٨٠، ٣٤٤، ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>