للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده وعند غيره ممن جاءوا بعده من شعراء الفارسية، فإن الألفاظ العربية تكثر فى أشعارهم، بل لذلك مظهر أبعد عمقا وغورا، فإن ضروب النظم التى صاغوا فيها أشعارهم ضروب عربية، بل قل كل عروض الأشعار عندهم من نفس عروض الشعر العربى ومادة تفاعيله وأوزانه.

وقد اشتهرت عندهم طائفة من ضروب النظم العربى وأنماطه أولها المثنوىّ، وهو نفس الضرب المعروف فى العربية باسم المزدوج الذى أخذ يشيع-كما مر بنا فى كتاب العصر العباسى الأول-منذ بشار، وأشاعه بعده أبان بن عبد الحميد فى ترجمة كليلة ودمنة وما نظم من الشعر التعليمى (١)، وفيه تختلف القافية من بيت إلى بيت فى حين تتحد فى الشطرين المتقابلين، وقد اختاره الفردوسى لشاهنامته والتزم فيه وزن المتقارب.

والضرب الثانى القصيدة، وموضوعها ونسقها لا يختلف فى شئ عن موضوع القصيدة العربية، فقد يكون مديحا أو هجاء أو دينا أو فلسفة.

والضرب الثالث الغزل، وموضوعه غزلى أو صوفى وأبياته لا تزيد عن اثنى عشر بيتا إلا فى النادر، وهو بذلك المعروف فى العربية باسم المقطعات الغزلية.

والضرب الرابع الرباعيات، وهى تتألف من أربعة شطور، يتفق أولها وثانيها ورابعها فى قافية واحدة، أما الشطر الثالث فقد يختم بنفس القافية وقد لا يختم وهو بدوره نمط عربى ظهر عند بشار وأبى نواس وأبى العتاهية (٢)، وكل ما للفرس أنهم مع الزمن التزموا فيه وزنين خاصين سبق أن تحدثنا عنهما فى قسم العراق.

والضرب الخامس المسمّط، وهو يتألف من أدوار وكل دور يتكوّن من أربعة شطور أو أكثر، وتتفق شطور كل دور فى قافية واحدة، ما عدا الشطر الأخير فإنه يستقل بقافية يتحد فيها مع الشطور الأخيرة فى الأدوار المختلفة، وقد أخذ هذا الضرب يشيع فى العربية منذ أبى نؤاس قبل نشأة الشعر الفارسى الحديث.

ومعنى ذلك أن الشعر الفارسى الذى أخذ ينظمه شعراء الفرس بإيران منذ القرن الثالث الهجرى فصل عن الشعر العربى كما يفصل الرضيع عن أمه، بل لقد ظل الشعر العربى يغذّيه طوال القرون التالية، ولذلك مظاهر مختلفة فيه، فإن موضوعاته من مديح وغير مديح هى نفس موضوعات الشعر العربى، وإذا أخذنا موضوعا مثل المديح وجدناه ينظم بنفس الصورة العربية، فللمدحة مقدمة من النسيب ومن وصف الطبيعة، وكأننا نقرأ مدحة


(١) العصر العباسى الأول (طبع دار المعارف) ص ١٩٦ وما بعدها.
(٢) العصر العباسى الأول ص ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>