للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ما قدمناه كل ما كان بالشام من نشاط الشعر والشعراء لعهد بنى أمية، فقد شارك غير خليفة فى هذا النشاط، إذ كان بينهم شعراء بارعون هم يزيد بن معاوية ويزيد بن عبد الملك وابنه الوليد، واشتهر الوليد بأنه يعيش للهو والقصف وجلب المغنين والمغنيات من الحجاز وإقامة الحفلات لهم فى قصره، وشعره يستغرقه الغزل والتغنى بالخمر حتى بعد خلافته، مما أعدّ بسرعة لسقوط الدولة الأموية، وله ترجمة فى كتابنا العصر الإسلامى.

وتنتقل الخلافة فى العصر العباسى إلى بغداد، ويظل للشام نشاطها فى الشعر، وهو نشاط لا يقف عند مجرد نظمه على طريقة الإسلاميين والجاهليين، إذ نرى شعراءها يصدرون فى شعرهم عن النزعات التجديدية التى نظم الشعر العربى على أضوائها فى صدر الدولة العباسية. ومن كبار شعرائها الذين لمعت أسماؤهم فى القرن الثانى الهجرى عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثى معاصر الرشيد، وكان من الفلجة «من أرض دمشق»، وترجم له ابن المعتز فى كتابه «طبقات الشعراء» وأشاد بشعره إشادة رائعة. وممن كان يعاصره من الشعراء الشاميين العتّابى وكان يحتذى-كما يقول الجاحظ-حذوبشار بن برد فى البديع وله ترجمة فى كتابنا العصر العباسى الأول. وعلى غراره تلميذه منصور النمرى الشامى، وله أيضا ترجمة فى كتابنا العصر العباسى الأول. وبالمثل فى هذا الكتاب ترجمة لشاعر شامى مهم عاش فى القرنين الثانى والثالث هو ديك الجن. فالشام لم تنشط فى الشعر طوال العصر العباسى الأول فحسب، بل قدمت إليه أعلام من الشعراء النابهين شاركوا فى نهضته وازدهاره بل أكثر من ذلك لقد تطورت بصور البديع الحسية التحديدية وأضافت إليها فى نهضته وازدهاره بل أكثر من ذلك لقد تطورت بصور البديع الحسية التحديدية وأضافت إليها صورا جديدة من بديع وزخرف معنويين رائعين، وبذلك استحدثت للشعر العربى مذهبا جديدا هو مذهب التصنيع أو التنميق الحسى والفكرى، على نحو ما هو معروف عن أبى تمام أستاذ هذا المذهب الذى أعطاه صيغته النهائية، وقد أوضحنا ذلك إيضاحا تاما فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى». وتلاه تلميذه البحترى، ولم يكن له ثقافته وتعمقه فى النفوذ إلى دقائق الأفكار، ومع ذلك تمسك بالمذهب وبخاصة جوانب البديع الحسى مع تمسك شديد بمقومات الشعر العربى وتقاليده فى الصياغة، وكان لا يبارى فى الضرب على قيثارة الشعر العربى واستخراج أروع النغم منها وأحلاه. وأكبّت الأجيال التالية فى العالم العربى على دراسته ودراسة أستاذه متخذة منه نموذجا للتمسك بعمود الشعر العربى وصياغته، كما اتخذت من أستاذه نموذجا للبديع الحسى والمعنوى الذى يرضى المتفلسفة والمتعمقين فى المعانى. وانقسم النقاد مع الشاعرين وفنهما إلى صفين متقابلين، وكل ذلك حاولنا تصويره فى كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى» ولأبى تمام ترجمة

<<  <  ج: ص:  >  >>