للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعراء الدعوة الإسماعيلية.

وفى كل زمن وكل دولة تلقانا مراثى الشعراء، ونفس من ترجمنا لهم من شعراء المديح نجد بجانب مدائحهم مراثى كثيرة على نحو ما نجد فى ديوان ابن هتيمل ففيه باب خاص بالمراثى، وهى تتردد عنده بين الندب والتأبين، أما الندب فعلى أبنائه وإخوته، وزوجته وقد بكاها فى مرثيتين، يقول فى إحداهما (١):

يعزّ علىّ أن عظم المصاب ... ولا صبر لدىّ ولا احتساب

بنفسى عصر يوم السّبت نعش ... تداوله المناكب والرّقاب

من الخفرات يخفى الليل منها ... إذا ما جنّ مالا يستراب

تكفّن فى الثياب فليت جلدى ... لها كفن وليت دمى خضاب

والمرثية تمتلئ بمشاعر صادقة، مشاعر شخص اكتوى قلبه بالحزن على زوجته، ولم يعد أمامه إلا أن ينظم فيها أشعارا تعبر عن لوعته وما يكتظ به فؤاده لها من وجد وصبابة. وله تأبين لبعض أمراء المخلاف السليمانى وحكام مسقط رأسه «نجران» بوادى «ضمد» من ذلك تأبينه لحاكمها «سلطان» صاحب ضمد جميعها بمثل قوله (٢):

الرّزء أكبر أن يقوم بيومه ... جزع الرجال ورنّة النسوان

ويل لأمّ الأرض ماذا ضمّنت ... من أعظم أدرجن فى الأكفان

ذاك النّدى والبأس بين حفيرة ... أطباقها طويت على ثهلان

إن التمسّك بالسماح وبالوفا ... من بعده ضرب من الهذيان

ولم يكن يموت سلطان من سلاطين الرسوليين إلا ويكثر الشعراء من تأبينه وذكر خصاله وأعماله وما نهض به فى دولته، وربما بالغوا فى بيان الحزن فجعلوا الدين والدنيا والكواكب السماوية محزونة تبكيه، على شاكلة افتتاح الخزرجى لرثائه السلطان الأفضل المتوفى سنة ٧٧٨ يقول (٣):

بكت الخلافة والمقام الأعظم ... والملك والدّين الحنيف القيّم

والشمس والقمر المنير كلاهما ... والأرض تبكى والسّما والأنجم

والبيت والحرم الشريف بمكة ... والحجر والحجر اليمانى الأسحم (٤)


(١) الديوان ص ٨٣.
(٢) الديوان ص ٩٧.
(٣) العقود اللؤلؤية ٢/ ١٦٠.
(٤) الحجر بكسر الحاء: ما حواه الحطيم بالكعبة. الأسحم: الأسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>