للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدارس العلم الشريف وأهله ... والمسلمون فصيحهم والأعجم

فالعالم كله يبكى الأفضل والحرم الشريف وكل ما فيه من مقدسات والأرض والسماء والنجوم ومدارس العلم وأساتذته وطلابه. ومضى يصور مجده وحروبه وكرمه وبأسه وانصياع أمراء اليمن له وعدله الذى عمّ به رعيته. ولم يلبث أن جعل الشمس عليه كاسفة تنوح وتلطم والأرض راجفة تميد وتهتز والجو مغبرّا مظلما وبكل ركن من بلاده حسرة وبكل بيت مأتم. وكل هذا إسراف فى التأبين ومبالغات مفرطة. ويتولى الحكم بعده ابنه الأشرف، وله مآثر كثيرة، وتتوفى زوجه فى سنة ٧٩٦ فيرثيها جماعة من الشعراء، وهى ظاهرة كانت تشيع فى اليمن منذ عصر الصليحيين، إذ تؤبّن سيدات الأمراء، وتعقد لتأبينها الاحتفالات، ويتبارى الشعراء فى وصف فضائلها وبكائها وندبها ندبا حارّا، بمثل قول الخزرجى (١):

بكتها السما والأرض يوم وفاتها ... وأمسى سحاب الأفق أدمعه تسرى

على وجهك الميمون حيّا وميّتا ... سلام يزيد العطر عطرا إلى العطر

سلام على ذاك الجبين ورحمة ... على شخصك المدفون فى ذلك القبر

ويتوفى الأشرف سنة ٨٠٣ ولإسماعيل بن أبى بكر المقرئ فيه مرثية بديعة (٢).

ويموج كتاب تاريخ الشعراء الحضرميين بمراث كثيرة، وهى تتردد بين الندب والتأبين والعزاء، أما الندب فإننا نجد فى الكتاب شعراء كثيرين يبكون آباءهم مشيدين بتقواهم وعلمهم الفياض، كقول محمد بن عبد العليم الخولانى فى رثاء والده (٣):

تبكى عليه منابر ومحابر ... تبكى عليه محاجر بدماء

فالله يسكنه الجنان بفضله ... ويعمّه بسوابغ النّعماء

وقد أطال فى وصف خسارة العلم والعلماء بفقده، إذ يجعله مفسرا كالواحدى وقتادة وعطاء بن أبى رباح، ومتصوفا كمكى والغزالى، ومحدثا يدرس لطلابه صحيحى البخارى ومسلم وموطأ مالك، وفقيها شافعيا يتقن درس أمهات الفقه الشافعى من مثل الوسيط فى المذهب للغزالى والمهذب للشيرازى والروضة للنووى. ويكثر تأبين التلاميذ لشيوخهم من الفقهاء والمتصوفة، وقد يخلطونه بالعزاء كقول عبد الله بن جعفر العلوى فى شيخه عبد الله بن أبى بكر باحسن (٤):


(١) العقود اللؤلؤية ٢/ ٢٥٤.
(٢) نفس المصدر ٢/ ٣١٨.
(٣) تاريخ الشعراء الحضرميين ٢/ ١٤٤
(٤) نفس المصدر ٢/ ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>