للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى استظل تحت جناح مدده الملوان (الليل والنهار). . المالكى مذهبا الصوفى دأبا البكرى (نسبة إلى جده) نسبا». وهى مبالغة واضحة، غير أنها تدل-من بعض الوجوه-على مدى اعتقاد التونسيين فيه. ومن قوله فى الدنيا وتصاريفها وتقلباتها:

أبدت لنا الدنيا زخارف حسنها ... مكرا بنا وخديعة ما فتّرت

وهى التى لم تحل قطّ لذائق ... إلا تكدّر طعمها فتمرّرت

خدّاعة بجمالها إن أقبلت ... فجاعة بزوالها إن أدبرت

وهّابة سلاّبة لهباتها ... طلاّبة لخراب ما قد عمّرت

فإذا بنت أمرا وتمّ بناؤها ... نصبت مجانقها عليه فدمّرت

وهى عظة بديعة، يقول: لا تغتر بما تبديه لك الدنيا من زخارفها وزينتها، فذلك مكر منها وخديعة لا تقصّر فيها، إنها لم تصف وتحل قط لذائق إلا تغير طعمها وتمرّر مرا شديدا، وحذار من إقبالها بحسنها عليك فإنها لا تلبث أن تدبر عنك وتفجعك فيما أعطتك، إنها وهابة غير أنها سرعان ما تسلب ما وهبتك، وإنها لتخرّب ما عمرته لك، وإذا شادت أمرا ورفعته عاليا سرعان ما تنصب مجانيقها عليه وتدمره تدميرا كأن لم يكن شيئا مذكورا. ويحاول أن يعزى المظلومين قائلا:

إذا ظالم قد عاهد الظّلم مذهبا ... وجار غلوّا فى علوّ اكتسابه

فكله إلى ريب الزمان وجوره ... سيبدى له ما لم يكن فى حسابه

فكم ذا رأينا ظالما متجبّرا ... يرى النّجم تيها تحت ظلّ ركابه

فلما تمادى واستطال بجوره ... أناخت صروف الحادثات ببابه

وعوقب بالذنب الذى كان يجتنى ... وصبّ عليه الله سوط عذابه

وهو يقول للمظلوم إذا رأيت ظالما باغيا غلا وجار فى بغيه وعدوانه فاصبر ودعه إلى صرف الزمان وتقلبه فإنه سيريه ما لم يكن يخطر على باله، وكم رأينا ظالما عاتيا بلغ من عتوه وتجبره أن كان يرى النجم كأنه يمشى فى ركابه، ولما تمادى فى عتوه وبغيه وظلمه نزلت النكبات ببابه وأقامت به لا تبرحه فعوقب عقابا أليما بذنبه الذى جناه بعمى بصيرته وصبّ الله عليه سوط عذابه جزاء وفاقا لظلمه وبغيه. وله موعظة جعل موضوعها مدينة قرطاجة عاصمة الفينيقيين، ومن بعدهم الرومان والبيزنطيون، وتحدث عن عظمة الأولين البحرية وبناء الثانيين للطياطرو (للتياترو) وبناء حناياها لتوصيل مياهها وتشييدهم للقصور، ويقول إن كل ما عاشت فيه كل تلك الدول المختلفة أصبح أطلالا دوارس، ويختمها بقوله عن حكامها جميعا واعظا ومنبها إلى أنه لا بقاء لشئ فى الحياة:

<<  <  ج: ص:  >  >>