للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفوسة سنة ٣١٠ وهزموا جيشين لعبيد الله، وأخيرا انتصر جيش له على إباضية نفوسة، واستكانت ليبيا-منذ هذا التاريخ-لحكم الفاطميين طوال بقائهم فى إفريقية التونسية وفترة بعد مغادرة المعز العبيدى لها إلى القاهرة ولكنها كانت استكانة على مضض غير قليل، فقد ظل من بها من الإباضية فى جبل نفوسة وأنحاء طرابلس يعادون الدعوة العبيدية-أو الفاطمية- الإسماعيلية، كما ظل أهل السنة الذين تتألف منهم جماهير غفيرة فى طرابلس وبرقة يستنكرون الدعوة الإسماعيلية الشيعية ويرفضونها رفضا باتّا. وبمجرد أن انسحب حكمهم من إفريقية التونسية فى عهد المعز بن باديس (٤٠٦ - ٤٥٤ هـ‍). انسحبت معه عقيدتهم الإسماعيلية لا فى إفريقية التونسية وحدها بل أيضا فى طرابلس وإقليمها وجبل نفوسة، وبقيت لتلك العقيدة ظلال باهتة فى برقة لأنها كانت تتبع الدولة الفاطمية فى القاهرة، أما فى طرابلس وإفريقية التونسية وما وراءهما من البلاد المغربية فإنه لم يبق لها أى ظلال لا باهتة ولا غير باهتة، ويرجع ذلك فى رأينا إلى التطرف الشديد فى انحراف مبادئها عن الدين الحنيف وتعاليمه، حتى لتنسلخ جملة عنه، إذ تحيط أئمتها بهالة من التقديس لا يقرها الإسلام حتى لتزعم عصمتهم رافعة لهم فوق المستوى الإنسانى، بل إنها لتزعم أن الإمام العبيدى الإسماعيلى هو التجسّد الربانى للذات العليّة على الأرض، وهو لذلك المشرّع وصاحب الأمر العالم بالغيب وما سجّل فى ألواحه، وكل صفات الله-جلّ جلاله-إنما هى صفاته، إلى غير ذلك من مبالغات بل من ترهات، سوّلت لبعض دعاة الخليفة العبيدى الحاكم بأمر الله أن يدعو إلى عبادته، وقد عرضت مبادئ هذه الدعوة الضالة بالتفصيل فى الجزء الخاص بمصر من هذه السلسلة الخاصة بتاريخ الأدب العربى، موضحا كيف أن مصر انصرفت عنها، بل رفضتها رفضا، وهو ما حدث فى طرابلس والبلاد المغربية. وكأنما دخلتها جميعا-حين كانوا يحكمونها-من باب شديد الضيق، ثم خرجت بعدهم-حين رحلوا عنها-من باب آخر ولم تترك وراءها أثرا. وعبثا حاول أبو عبد الله الصنعانى أن يقنع بها فقهاء القيروان وردوا عليه ردودا مفحمة، وأحسّ عبيد الله المهدى-بوضوح-نفور الناس من عقيدتهم الإسماعيلية نفورا شديدا، فطلب إلى دعاتها أن يخففوا من النشاط للدعوة لها، وبنى «المهدية» على رأس بارز فى الساحل على البحر المتوسط شرقى سوسة، وأحاطها بأسوار عالية قوية مع أبراج ضخمة وأبواب مصفحة بالحديد-كما يقول الحسن الوزان فى وصف إفريقيا-سنة ٣٠٥ ونقل إليها أسرته وأمواله وجنده حتى يأمن على نفسه. وظلت طرابلس وإقليمها بل أيضا برقة وإقليمها كما ظلت إفريقية التونسية مزورتين عن الدعوة الشيعية، وظلت الجماهير فيها جميعا مرتبطة بمذاهب أهل السنة إلى أن خرجت طرابلس وإقليمها كما خرجت إفريقية التونسية من الدعوة السيدية الاسماعيلية فى عهد المعز بن باديس على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>