جنوبا وغربا، حتى الرىّ وأصفهان وهمذان وأرمينية وأذربيجان وخوزستان، واتخذ أصفهان حاضرة لإمارته، وكان فيه عتو شديد، وكان شعوبيا شديد الكراهية للعروبة، فزعم-فيما زعم-أنه سيستعيد مجد دولة العجم ويبطل دولة العرب فلا تقوم لها قائمة، ووعد شيعته بالمسير إلى بغداد والقبض على الخليفة وتوليتهم ديار الإسلام ومدنه.
وسأل عن تيجان الفرس فمثّلت له هيئتها، فاختار هيئة تاج كسرى أنوشروان، وأمر بأن يصنع له على مثاله تاج من الذهب محلّى بالجواهر، وصنع له عرش من الذهب مرصع بالحجارة الكريمة. وكان يبطن المجوسية، ولعله من أجل ذلك كان يحتفل بأعيادها احتفالات عظيمة، واشتهر احتفال له بعيد ليلة الوقود المسمى بعيد السّذق، وفيها كانوا يوقدون نارا كثيرة، وقد أمر فى تلك الليلة بأن تجمع الأحطاب من أنحاء إمارته إلى حاضرته أصفهان، ونصبها على التلال والجبال حولها وأشعلها وأشعل معها شموعا عظيمة اتّخذت لها تماثيل وأساطين ضخمة. وتمادى فى بغيه وعتوه تماديا شديدا، حتى أوغر صدور بعض غلمانه، ففتكوا به فى الحمام سنة ٣٢٣ للهجرة، ونهبوا خزائنه وأمواله.
ويقال إن الديلم حزنوا عليه حزنا شديدا، جعلهم يمشون حفاة أربعة فراسخ وراء تابوته.
ومرّ بنا فى حديثنا عن الدولة البويهية أن قائده على بن بويه استولى عقب وفاته على أصبهان والرى وأن بلدانا كثيرة أخذت تسقط فى يده ويد أخويه إلا ما كان من طبرستان وجرجان، فإنهما ظلتا فى يد خلفاء مرداويج الزياريين، وقد خلفه أخوه وشمكير (٣٢٣ - ٣٥٦ هـ.) ويقال إنه ركب فرسا وشبّ وهو غافل عنه، فسقط ميتا. وخلفه ابنه قابوس (٣٥٦ - ٤٠٣ هـ.) وكان كاتبا وشاعرا، ومازال البويهيون يغيرون عليه حتى فرّ من إمارته عام ٣٧١ إلى السامانيين، وعاش عندهم مكرّما حتى عام ٣٨٨ وفيه استرد ملكه. ويقال إنه عتا وبغى، واشتد بغيه وعتوه، فأجمعت حاشيته على خلعه، واضطرت ابنه منوجهر (٤٠٣ - ٤٢٦ هـ.) أن ينزل على إرادتها، وحبس قابوس فى إحدى القلاع حتى مات من شدة البرد. وظل منوجهر يرسل بالأموال إلى محمود الغزنوى استرضاء له، وطلبه سنة ٤٢٠ فأوغل فى البلاد متحصنا منه بجبال وعرة، وتركه محمود ولم يلبث أن توفى فخلفه ابنه أنو شروان (٤٢٦ - ٤٣٠ هـ.) ومن يده استولى مسعود بن محمود الغزنوى على الإمارة، كأن لم تكن شيئا مذكورا.