العرب والمصريين والفرس والروم. أما تسميتهم باسم البربر فالمظنون أن الرومان-وربما اليونان-هم الذين أطلقوه عليهم أخذا من الكلمة الإغريقية Barbarus ومعناها الأجنبى الذى يرطن بلغة غير مفهومة، إذ كانت لغة البربر-بالنسبة للرومان واليونان-أصواتا مبهمة، والكلمة بهذا المعنى الإغريقى تلتقى بمعنى البربرة فى العربية وهو التمتمة بالكلام بحيث لا يفهمه السامع.
وظل البربر لا يتصلون بالشعوب القديمة آمادا طويلة حتى إذا كان القرن العاشر قبل الميلاد أو قبله أو بعده بقليل كان فينيقيون من سكان لبنان-وكانوا شعبا ملاحيا-يجوبون الساحل الإفريقى بحثا عن مواضع يتبادلون فيها سلعهم وعروضهم مع البربر، وأعجبتهم تونس، فنزلوا بها، ومع مرّ عشرات السنين اتخذوا لأنفسهم فيها موطنا ومركزا لتجارتهم، إذ أسسوا فيها مدينة قرطاجة بالقرب من مدينة تونس الحالية، واستوطنها كثير من أسرهم الفينيقية، وأنشئوا بها دولة وجيشا منهم ومن البربر، وقد امتزجوا بهم وصاهروهم وعلموهم الملاحة والتجارة وتبادل السلع وفلاحة الأرض وغرس الأشجار، ونقلت إليهم قوافلهم المتعمقة فى السودان كثيرا من الزنوج، وفسحوا لبعض اليهود فى النزول بمدينتهم. وبذلك أصبح يوجد فيها لعهدهم أربعة عناصر من السكان: عنصر بربرى من سكانها الأولين وعنصر فينيقى وعنصر زنجى وعنصر يهودى، ويدور الزمن وتستولى روما على قرطاجة، وتبنى من أنقاضها قرطاجة جديدة، وتستوطنها أسر رومانية كثيرة، وتضيف القوافل زنوجا جددا كثيرين إلى البلاد، ويفد عليها منذ سنة ٧٠ للميلاد بعد تحطيم الإمبراطور تيتوس لمعبد بيت المقدس أسر يهودية كثيرة. ويدور الزمن دورة ثانية وتستولى جموع الواندال على تونس سنة ٤٣٩ للميلاد، ويظلون بها حتى سنة ٥٣٤ مضيفين إلى البلاد عنصرا ألمانيا جديدا، ويخلفهم البيزنطيون حتى سنة ٦٤٧ مضيفين بدورهم العنصر البيزنطى الإغريقى.
ثم يكون الفتح العربى، وتظل تقدم إلى القطر التونسى جيوش لإكمال الفتح أو للقضاء على بعض الثورات طوال القرن الأول الهجرى، وتخمد ثورات البربر ضد الإسلام والعرب، وتشتعل فى القرن الثانى ثورات الخوارج من البربر. وتظل الدولتان الأموية والعباسية ترسلان الجيوش لإخمادها، وكثير من جنود هذه الجيوش استقر فى إفريقية التونسية وأصبحت مستقرا له منذ أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان فى سنة ٥٠ هـ/٦٧٠ م فقد سكنها بعض الجنود الفاتحين وأسرهم واتخذوها موطنا لهم ومقرا. وأخذ كثير من جنود هذه الجيوش يسكن فى بعض بلدان تونس عاملا على نشر الإسلام والعربية. وكانت هذه الجيوش تضم عناصر من العرب ومن البلاد الإسلامية المفتوحة: إيران وسكان الرافدين فى العراق والشام ومصر وكل هذه العناصر أخذت تمتزج بالبربر فى تونس امتزاجا سريعا بحكم ما يجمع بينهم من الدين واللغة،