ولم تشارك مصر فى هذا الامتزاج بمن كان ينتظم منها فى الجيوش العربية فحسب، بل شاركت أيضا فى عهد حسان بن النعمان سنة ٧٦ هـ/٦٩٥ م بألف أسرة قبطية طلبها للمساعدة فى تأسيس دار صناعة لسفن أسطوله الذى سيحمى به سواحلها ويغزو جزر البحر المتوسط، وجاءته ووزّعها بين تونس ورادس وقرطاجة، ومنذ إبراهيم الأغلب يستكثر الأغالبة فى الحرس من الصقالبة، وأيضا من الزنوج، وكانوا لعهد إبراهيم أكثر من خمسة آلاف، ولكثرة خيرات تونس وطيباتها وحسن معاملة الإسلام للنصارى واليهود ظل ينزلها منهما كثيرون.
وفى منتصف القرن الخامس الهجرى تدخل القطر التونسى جموع الهجرة الأعرابية التى تحدثنا عنها فى الفصل الماضى، والتى كانت تبلغ-فيما يقال-نحو نصف مليون، ولا بد أن جماهير كبيرة منهم ألقت عصاها بتونس وبلدانها وسهولها وزروعها حتى لقد أصبحت بلدان مختلفة على الساحل وفى الداخل بأيديهم. وحقا سبّبت هذه الهجرة الكبيرة غير قليل من الاضطراب فى البلاد والفوضى، ولكن ربّ نقمة سببت نعمة، فإن هذه الهجرة أتمت بسرعة تعريب البربر والشمال الإفريقى المغربى جميعه، فإن من كانوا يستقرون فى البلاد المغربية من الجيوش العربية الغازية فى القرنين الأولين الهجريين كانوا قلة بالقياس إلى جموع البربر العديدة، ولذلك كان تعرب البربر بطيئا، حتى إذا حدثت هذه الهجرة تعرب البربر نهائيا وأصبحوا شعبا عربيا، إذ امتزجوا بالعرب معيشة ومصاهرة، حتى أصبح لا يوجد فرق بين عربى وبربرى، ويصور ذلك ابن خلدون فى قبيلة هوارة قائلا: إنهم صاروا فى عداد الناجعة (الرعاة) بنى سليم فى اللغة والزىّ وسكنى الخيام وركوب الخيل وكسب الإبل وممارسة الحروب». وهكذا الأعراب مع البربر فى كل أرجاء المغرب، وفى الحق أن هذه الهجرة الأعرابية الضخمة لم تكن عنصرا جديدا أضيف إلى ما كان بتونس من عناصر، بل كانت شعبا أضيف إلى شعب واندمج فيه وأصبح الشعبان شعبا واحدا. ويستولى النورمان على صقلية سنة ٤٨٤ هـ/١٠٩٢ م.
ويعود إلى تونس كثرة من أبنائها الصقليين ولا تكاد تؤسس الدولة الحفصية حتى تحدث نكبة الأندلس الكبرى نكبة سقوط مدنهم فى حجر الإسبان النصارى واحدة إثر أخرى، ويأخذ الأندلسيون فى الهجرة إلى المغرب الأقصى، ويتجه كثيرون منهم إلى تونس، ويرحب بهم مؤسس الدولة أبو زكريا وابنه المستنصر، ويفسحان لعلمائهم وأدبائهم فى الحركتين الأدبية والعلمية، كما يفسحان للزراع وأصحاب الصناعات منهم، وتأخذ أعدادهم فى التزايد طوال القرن السابع الهجرى، وخاصة مع سقوط البلدان الأندلسية مثل إشبيلية وبلنسية، وكان كثيرون من هؤلاء الأندلسيين المهاجرين يرجعون إلى أصول عربية وبربرية، وكان بينهم من يرجعون إلى أصول