مصرية أو شامية أو إيرانية، ممن قدم آباؤهم من آسيا مع الجيوش الفاتحة للأندلس كما كان بينهم مسلمون يرجعون إلى أصول إيبيرية وقوطية وواندالية من سكان إسبانيا القدماء، وكثر نزول هؤلاء المهاجرين الأندلسيين بتونس بعد سقوط غرناطة سنة ٨٩٧ هـ/١٤٩٢ م ويقال إنهم بلغوا حتى هذا التاريخ نحو مائة ألف أو يزيدون. وفى سنة ١٠١٦ هـ/١٦٠٩ م نفى الإسبان بقية من كان بها من المسلمين إلا من أعلن تنصره أو تظاهر بذلك، وقدم إلى تونس منهم فى سنة واحدة لعهد عثمان داى نحو ثلاثين ألفا، ورحّب بهم كما مر بنا فى الفصل الماضى، وهو ترحيب لا يستحق شكره من أجله وحده بل يستحقه أيضا قبله التونسيون الذين أتاحوا لهم المعيشة الكريمة بينهم فى المدن، حتى كان لميسوريهم فى تونس العاصمة حيان: حومة الأندلس وزقاق الأندلس، وتأسست للعمال والصناع قرى ومراكز بالقرب من العاصمة زاولوا فيها صناعاتهم من المنسوجات الحريرية وغيرها، وأنزل القرويون منهم فى مناطق خصبة غزيرة المياه شمالا على ضفاف نهر مجردة. ومن المؤكد أن الإسبان الذين احتلوا تونس نحو أربعين عاما (٩٤٣ - ٩٨١ هـ) لم يخلفوا وراءهم أسرا إسبانية حين طردهم سنان باشا إلى البحر المتوسط وما وراءه.
وكان الولاة فى العهد العثمانى يتخذون لهم حاميات عسكرية من الانكشارية، وكانت تضم تركا من الأناضول وأجناسا متنوعة من مختلف أنحاء الدولة العثمانية وأسرى جيوشها من الدول الأوربية وكانت تربيهم جميعا تربية إسلامية عسكرية، وترسل ببضعة آلاف منهم إلى تونس وبالمثل إلى بعض البلاد العربية، وكانوا يتزوجون من تونسيات فربطتهم بتونس صلات عائلية وثيقة. واتسعت حركة القرصنة حينئذ لسببين: حذق العثمانيين بالبحارة، وقد استطاع خير الدين (بربروسة) وعروج وأمثالهما أن يجعلوا البحر المتوسط فى القرن العاشر الهجرى بحرا عثمانيا، والسبب الثانى غيظ الأندلسيين المهاجرين من الإسبان والأوربيين الذين كانوا يساعدونهم فى الحروب، فكانوا يوغرون صدور البحارة الترك عليهم ليأسروهم ويسترقوهم، وكانوا يسحبونهم على وجوههم من البحر بالآلاف أحيانا، وكان كثيرون منهم: إسبانا وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين وكريتيين ونورمانا يعتنقون الإسلام وتردّ إليهم حرياتهم ويكوّنون أسرا ويندمجون فى أهل البلاد. وكانوا يتولون فى تونس أحيانا مناصب عليا. وهذه العناصر الإفريقية والآسيوية والأوربية المفرطة فى الكثرة، منذ أيام الفينيقيين إلى هذا العصر لها دلالتان: دلالة أولى على وفرة طيبات الرزق التى عرفت بها تونس والتى جعلت كثيرا من الشعوب تتسابق على النزول بها وأحيانا على المكث بها حقبة أو حقبا من الزمن ودلالة ثانية هى ما حملته تلك الشعوب إلى تونس من حضارات كان لها غير قليل من التأثير فى حياتها مع الاحتفاظ دائما بما لها من ذاتية وشخصية.