للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاهرت وخربها، ونحن لا نتعظ كأننا لن نموت، والآن فابكوا فالحاملون لعرش الله يبكون عليكم ومن أجلكم، وماذا ينفع الدنيا لو أن حكام تاهرت جمعوا فيها كنز قارون فكل شئ فيها صار إلى فناء. ولابن قاضى ميلة المترجم له بين شعراء المديح فى وصف عود وما صار إليه من التغنى عليه (١):

جاءت بعود يناغيها ويسعدها ... انظر بدائع ما يأتى به الشّجر

غنّت عليه ضروب الطير ساجعة ... حينا فلما ذوى غنّى به البشر

فلا يزال عليه-أو به-طرب ... يهيجه الأعجمان: الطّير والوتر

فقد كانت ضروب الطير وصنوفه تغنى على هذا العود، وهو موصول بشجرته، فلما قطع منها وذوى غنى عليه البشر بما شدّوا عليه من أوتار، وكأنما يهيجه طوال حياته أعجمان: الطير قديما والوتر حديثا. ويبدو أن سمك القرش المفترس كان يتراءى أحيانا فى مياه تونس فقال ابن قاضى ميلة يصفه (٢):

وأشغى بفكّيه مثل المدى ... طويل القرا مدمج الأعظم (٣)

تصرّفه فى ضمان المياه ... ومهجته فى يد الخضرم (٤)

يخاف الهواء ويخشى الضياء ... وإن كان أجرأ من ضيعم (٥)

له داخل اليمّ بطش الأسود ... وتصحبه مشية الأرقم

وقد وصف ابن قاضى ميلة القرش وصفا دقيقا فقال إنه مختلف الأسنان وإن بفكيه مثل المدى أو السكاكين وإنه طويل الظهر مدمج العظم واللحم، ولا يعيش إلا فى الماء يخاف الهواء والضياء، وإن كان أجرأ من أسد فاتك، غير أنه لا يعلو على سطح الماء بل يظل فى داخله متلويا فى مشيته كالأفعوان. وكان يعاصر ابن قاضى ميلة عبد الله بن محمد الجراوى وسنخصه بترجمة. وأهدى نزار الخليفة الفاطمى فى القاهرة المنصور بن بلكين سنة ٣٨٤ هدية فيها خيل وإبل وحمار وحشى مخطط وفيل، ووصفها جميعا عبد الكريم النهشلى، وفى الخيل يقول (٦):

وبلق تقاسمن الدجنّة والضّحى ... فمن هذه شطر ومن هذه شطر

وصفر كان الزعفران خضابها ... وإلا فمن ماء العقيق لها قشر

وشهب من اللّجّ استعيرت متونها ... ومن صور الأقمار أوجهها قمر (٧)

عليها السروج المحكمات إذا مشت ... بها خيلاء الخيل رنّحها كبر

والخيل بينها بلق يلتقى فيها السواد بالبياض، وكأن الظلمة والضحى اقتسما لونها فلكل


(١) ابن خلكان ٥/ ٣٤٨.
(٢) الأنموذج ص ٢١٣.
(٣) أشغى: متخالف الأسنان. القرا: الظهر.
(٤) الخضرم: البحر: متعاظم الموج ومتلاطمه.
(٥) ضيغم: الأسد الواسع الشدق.
(٦) الأنموذج ص ١٧٣.
(٧) قمر: مشرقة كالقمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>