للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعله عبد المؤمن قائدا على من دخل فى عقيدة الموحدين من لمتونة قومه، ولم يزل مكرّما عند عبد المؤمن إلى أن بلغته عنه أفعال وأقوال أحنقته عليه. وتحدث عبد المؤمن بذلك فى مجلسه فخشى أبو جعفر أحمد بن عطية على صهره يحيى من فتك عبد المؤمن به، فقال لزوجته قولى لأخيك يتحفّظ، وإذا دعوناه غدا فليظهر المرض، وإذا استطاع الفرار واللحاق بجزيرة ميورقة فليفعل (وكان صاحبها؟ ؟ ؟ ارجا على الموحدين). وتمارض يحيى وزاره بعض أصحابه فأسرّ إليه ما بلغه عن صهره أبى جعفر، فنقل الرجل ذلك إلى شخص من أبناء عبد المؤمن، فأمر بالقبض على أبى جعفر وأخيه أبى عقيل الكاتب ولم يلبث أن أمر بقتلهما سنة ٥٥٣ هـ‍/١١٥٨ م، واعتقل يحيى وظل فى سجنه إلى أن مات، ولم تأخذ عبد المؤمن فى أبى جعفر وصاحبيه رأفة ولا شفقة ولا رحمة.

وأبو جعفر أحمد بن عطية يعدّ فى الذروة من كتّاب عبد المؤمن، ويشهد لذلك أن «مجموع رسائل موحدية من إنشاء كتاب الدولة المؤمنية» يشتمل على سبع وثلاثين رسالة، له فيها سبع عشرة رسالة، ولو أنه ظل حتى نهاية عبد المؤمن لتكاثرت رسائله فى تلك المجموعة، ومن رسائله خمس موجهة إلى طلبة سبتة من دعاة الموحدين بها، وهو دائما يبلغ أهلها فى تلك الرسائل انتصارات عبد المؤمن تلويحا لها بعد أن قامت بثورتها سنة ٥٤٣ أن تلتزم بطاعة عبد المؤمن وعقيدة الموحدين وإلا أنزل بها عقابا أليما. وتبدأ هذه المجموعة للرسائل برسالة بقلم أبى جعفر بن عطية موجهة على لسان عبد المؤمن إلى طلبة سبتة كى يبلغوها أهلها، وفاتحتها على هذه الصورة:

«من أمير المؤمنين-أيّده الله بنصره وأمدّه بمعونته-إلى الطلبة (الدعاة) الذين بسبتة وجميع من فيها من الموحدين خاصة وعامّة-وفّقهم الله وسدّدهم-سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد فالحمد لله مولى الرّغائب، ومسنّى (١) الآمال والمطالب، وقابل توبة التائب، نحمده بما يتعيّن من حمده الواجب، ونصلّى على محمد نبيّه العاقب (٢)، وعلى آله وصحبه أولى المفاخر السنيّة والمناقب. ونصل [بذلك] الرضا عن الإمام المعصوم، المهدى المعلوم، المحرز شرف المبادئ والعواقب، المجلّى بنوره الثاقب حجب الظلام الواقب (٣). . وقد وصلنا بحمد الله إلى مرّاكش على أتمّ أحوال الظفر واليمن، وعدنا إليها تحت ظل السلامة التامة والأمن، بعد كمال الغزوة المباركة وتمامها، وإطفاء نار الفتنة ببرد الهدنة وسلامها، وإلصاق أنوف الكفرة المرتدين برغامها وقطع دابر القوم المجرمين. . وإن النعمة-وفقكم الله-بهذه الفتوح العميمة العامة شاملة على من أخذ بهذا الأمر العزيز (يريد دعوة الموحدين) ودان، وتزيّا بحلته البهية


(١) مسنى: ميسر.
(٢) العاقب: خاتم الرسل.
(٣) الواقب: الشامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>