للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يدعى الفقه وإذا طلبه الناس بين الفقهاء لم يجدوه وهو يدعى الأدب وإن طلبه الناس بين الأدباء افتقدوه، وهو يشير إلى الآية الكريمة فى سورة النساء: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء). وكان يعاصره فى شبابه شاعر يسمى هبة الله بن وزير دخل معه حماما فقال ابن وزير:

لله يوم بحمّام نعمت به ... والماء ما بيننا من حوضه جارى

كأنه فوق شفّاف الرّخام ضحّى ... ماء يسيل على أثواب قصّار

والقصّار: مبيض الثياب وغاسلها، وكأن الشاعر غفل، فشبه الماء بالماء. وانتهز الصديق ابن الذروى الفرصة، فقال على البديهة:

وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط إذكاء

أقام يجهد أياما قريحته ... وشبّه الماء بعد الجهد بالماء

وشاع الشطر الأخير على ألسنة المصريين إلى اليوم لكل من يصيبه مثل هذا العى فى الكلام عمدا أو غفلة. وكأن أحدا لم يكن يسلم من لسان ابن الذروى حتى الأصدقاء، بل أيضا حتى الطبيعة، إذ نجده يهجو الّنيلوفر، وهو ما يسمى فى الريف المصرى باسم البشنين وهو زهر متفاوت الزرقة والحمرة بديع المنظر، ولم يشفع له حسنه عند ابن الذّروى فعمد إلى هجائه بقوله:

ونيلوفر أبدى لنا باطنا له ... مع الظاهر المخضّر حمرة عندم (١)

فشبّهته لما قصدت هجاءه ... بكاسات حجّام بها لوثة الدّم (٢)

وكأنه يريد أن يقول إنه يستطيع أن يقبّح كل حسن مهما يكن حسنه حتى زهر النيلوفر الذى طالما تغنى به الشعراء المصريون من قبله ومن حوله، وقد تغنوا به طويلا من بعده.


(١) العندم: خشب أحمر يتخذ للصباغة.
(٢) الحجام: محترف أخذ الدم بالمحجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>