للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد بلّ أردان الثّرى دمع مزنة ... تناثر فى أسلاكها فتنظّما (١)

وجرّ على هام الرّبى ذيل وبله ... فدبّج أثواب الربوع وسهّما (٢)

وخط بطرس الجوّ سطرا مذهبا ... فنقّطه قطر الغمام وأعجما (٣)

وشاب لجين الطّلّ عسجد بارق ... فدنّر أزهار الربيع ودرهما

ودار بساق الغصن خلخال جدول ... كما سوّر التجعيد للنهر معصما

وهو يقول إن دموع السحابة بلّت أكمام الربى وتناثرت فى أسلاكها وانتظمت، وسحب المطر على رءوس الربى ذيل وبله فزيّن ثيابها وخطّطها تخطيطا بديعا، وخط على صفحة الجو سطرا مذهبا نقّطه قطر الغمام، وشاب لجين الطل المتلألئ عسجد البرق، فاستحالت أزهار الربيع دنانير ودراهم، واستحال ما فى الجدول من تجعدات للرياح خلاخيل لسيقان الغصون على نحو ما جعلت تجعداتها للنهر أساور تزين معصمه. واشتهر إبراهيم بن عبد الجبار الفجيجى التلمسانى بأخرة من عصر الدول الحفصية بقصيدة طويلة فى مائتى بيت وأربعة عشر وصف فيها صيد الصقر، وسنخصه بكلمة. ونمضى إلى العهد العثمانى، ومن طريف ما نقرأ فيه وصف ابن أبى راشد لمدينة الجزائر فى الربيع، وفيه يقول (٤):

سقى المطر الهطال أرضا تشرّفت ... بمصر غدت للفضل والفخر جامعه

بمزغنّة الفيحاء تظهر من مدّى ... ترى كسقيط الثّلج بيضاء ناصعه (٥)

وحيث الربيع الغضّ تم شبابه ... ترى أرضها تبدى النضارة يانعه

تريك احمرارا فى ابيضاض كأنها ... دماء على أرض من الثلج واقعه

دواليبها تسقى الغصون فتنثنى ... حمائمها تشدو على القضب ساجعه

فتبصر أغصان الحدائق سجّدا ... تميد من الصوت الحنون وراكعه

وما هى إلا جنّة قد تأرّجت ... مباخرها بالطيب والمسك ساطعه

وابن أبى راشد يدعو بالسّقيا لمدينة الجزائر التى أصبحت مصرا وعاصمة لقطرها فى عهد العثمانيين وغدت جامعة للفضل والفخر، ويظل المطر يهطل على مزغنة الفيحاء، وكأنه يسميها باسمها القديم، ويقول إن مبانيها جميعا بيضاء بياض الثلج المتساقط الناصع، وإنها لترى فى الربيع وقد لبست ثوبا من رفاهة العيش والنضارة، وترى ورودها الحمراء تكسو ورودها البيضاء، وسواقيها تروى بساتينها والحمام يشدو على الغصون مبتهجا، وكأنما الأغصان تستمع إلى صوتها الحنون الشجى، فما تزال بفعل الرياح ساجدة راكعة، وما مدينة الجزائر


(١) اردان جمع ردن: كم.
(٢) دبج: زين ونقش. سهّم: خطط.
(٣) طرس: صفحة. أعجمه: أزال عجمته بنقطه.
(٤) تاريخ الجزائر الثقافى للدكتور أبى القاسم سعد الله ٢/ ٣٠٧.
(٥) مزغنة: القبيلة التى بنت مدينة الجزائر وقد تسمى باسمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>