للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلمسان جادتها السحاب الدّوالح ... وأرست بواديها الرياح اللواقح (١)

ففى كل شفر من جفونى ماتح ... وفى كل شطر من فؤادى قادح (٢)

كتمت هواها ثم برّح بى الأسى ... وكيف أطيق الكتم والدّمع فاضح

لساقية الرومىّ عندى مزيّة ... وإن رغمت تلك الرّوابى السّوانح (٣)

وكم لى عليها من غدوّ وروحة ... تساعدنى فيها المنى والمنائح (٤)

ظباء مغانيها عواط عواطف ... وطير محانيها شواد صوادح (٥)

تقتّلهم فيها عيون نواظر ... وتبكيهم منها عيون نواضح (٦)

وإن أنس لا أنس الوريط ووقفة ... أنافح فيها روضه وأفاوح (٧)

مطلا على ذاك الغدير وقد بدت ... لإنسان عينى من صفاه صفائح (٨)

أماؤك أم دمعى عشيّة صدّقت ... عليّة ما قال العذول المكاشح (٩)

لئن كنت ملآنا بدمعى طافحا ... فإنى سكران بحبّك طافح

وابن خميس يخلط مشاهد تلمسان بالغزل بها وبفتياتها الحسان، وهو يستهل قصيدته بالدعاء لتلمسان أن تجود عليها السحب دائما وتظل بواديها الرياح الملقحة المنتجة، ويقول إن فى كل حرف من جفونه ماتح يملأ دلاءه بدموعه شوقا إليها وفى كل شطر من فؤاده قادح لنيران الوجد والحب، وكم كتم حبه ووجده غير أن دموعه تفضحه، فلم يعد بدّ من إعلانه، ويذكر مشهد القناة المسماة بساقية الرومى وإن عتبت عليه الروابى من حولها، ويذكر كم له فيها من غدو وروحة وأبواب المنى والآمال مفتوحة فى وجهه وحسانها يبدين له العطف، والطير من حوله ترقص وتصدح وتغنى، وهنّ يقتلن بجمالهن من يطيل النظر إليهن، وينصرفون عنهن بعيون باكية ذرفت كل ما كان بها من دموع، ولا ينسى منتزه الوريط وما كان ينافحه فيه ويفاوحه من نسيم عطر، ولا ينسى جناح الغدير به، وقد بدت لرصد مياهه الصافية صفائح الدروع، ويسأله أبك ماؤك أم دمع عينى عشيّة صدّقت عليّة ما قال العذول المعادى، ولئن كنت ملآنا بدمعى طافحا به فإنى سكران طافح بحبى. ويقول الشهاب الخلوف شاعر قسنطينة فى أواخر عصر الدولة الحفصية يصف الطبيعة فى يوم ممطر (١٠):


(١) الدوالح: المثقلة بالأمطار. اللواقح: الملقحة بما تحمل من أمطار وغير أمطار.
(٢) الشفر: حرف الجفن. ماتح: نازع للدلو من البئر. قادح: أى للنار.
(٣) ساقية الرومى: قناة جميلة بمشاهد الزروع حولها. السوانح: المتعرضة.
(٤) المنائح جمع منيحة: العطية.
(٥) مغانيها: منازلها. عواط: لا تستصعب.
(٦) نواضح: جمع ناضح تنزف كل ما بها من دموع.
(٧) الوربط: منتزه. أنافح: أستخرج نفحه وشذاه وكذلك أفاوح.
(٨) صفاه: يريد ماءه الصافى.
(٩) المكاشح: البغيض.
(١٠) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>