المغرب الأقصى ونزلوا ساحل إسبانيا فى الجنوب الشرقى والغربى وأسسوا لهما مدينتين:
قرطاجنة على البحر المتوسط وقادس على المحيط الأطلسى.
وكان الفينيقيون أصحاب حضارة، ومعروف أنهم اشتقوا لهم من حروف الهيروغليفية المصرية أبجديتهم التى نشروها فى البلاد التى نزلوها قديما كما نشروها فى العالم القديم. وقد نزل قرطاجة التونسية كثير من أسرهم، وخالطوا السكان الإفريقيين، وامتزجوا بهم مصاهرة وغير مصاهرة، بحيث أصبحت لهم فى قرطاجة دولة كبيرة، كما أصبح لهم شعب ضخم يتألف منهم ومن البربر، واتسعوا فى تجارتهم مع المراكز التجارية التى أنشئوها فى المواقع المذكورة آنفا وفى فرنسا وصقلية، وجابت قوافلهم الصحراء فى الجنوب وحملت من السودان الرقيق والعاج والتّبر.
ولا نصل إلى أواسط القرن الثالث قبل الميلاد، حتى نجد روما تحاول أن تخضد من شوكة نفوذهم فى البحر المتوسط، وسرعان ما نشبت الحروب بين الطرفين وظلت أكثر من مائة عام ابتداء من سنة ٢٦٤ إلى سنة ١٤٦ قبل الميلاد، وكان ميدانها لنحو عشرين عاما جزيرة صقلية موضع النزاع بين القوتين الكبيرتين، وأذعنت قرطاجة فى نهايتها للصلح، وعادت الحرب بينهما للنشوب سنة ٢١٨ قبل الميلاد واستمرت حتى سنة ٢٠٢ إذ باءت حملة هانيبال الكبرى بالإخفاق، وكان قد كوّن جيشا ضخما اقتحم به جبال البرانس وجنوبى فرنسا وشمالى إيطاليا محاولا أن يفتح روما، غير أن الأقدار لم تسعفه، وبعد ذلك بنحو خمسين عاما نشبت بين روما وقرطاجة حرب ثالثة ظلت ثلاث سنوات من سنة ١٤٩ إلى سنة ١٤٦ قبل الميلاد انتهت بانتصار روما وتدميرها نهائيا لقرطاجة الفينيقية. وكانت حضارتها قد استقرت فى الشمال التونسى قرونا وأجيالا متعاقبة، وكانت حضارة متقدمة لا فى شئون الملاحة والتجارة فحسب فهم أساتذتها فى العالم القديم بل أيضا فى صناعة السفن والمعادن والزجاج وفى زراعة الحبوب والبقول وأشجار الفاكهة وغراسة الزيتون والمظنون أنهم نقلوه-كما نقلوا كثيرا من أشجار الفاكهة-إلى إفريقية فى تونس وغيرها من موطنهم الأصلى فى الشام، ومن أكبر الأدلة على اهتمامهم بالشئون الزراعية فى إفريقية التونسية أن نجد عالمهم الزراعى الكبير: ماجون (Magon) يؤلف أقدم كتاب عالمى فى الزراعة وغراسة الأشجار وقد نقله الرومان إلى اللاتينية حينما قهروا القرطاجيين التونسيين واستولوا على البلاد منذ سنة ١٤٦ قبل الميلاد. كما استولوا على ما فيها من كنوز العلم والعرفان وكنوز الخيرات والطيبات.
ومنافسة لقرطاجة الفينيقية وهياكلها الضخمة ومبانيها السامقة أقام الرومان لهم بجانبها قرطاجة جديدة شادوا فيها هياكل ومعابد ومبانى باسقة كما شادوا مسرحا للتمثيل وملعبا لمصارعة الحيوان وبعض الحمامات. وكانوا يحكمون قرطاجة والقسم الشمالى من الاقليم التونسى مباشرة، وما وراءه فى نفس الإقليم وفى نوميديا (القسم الشرقى من الجزائر) كان