بلدا وفرضوا عليها إتاوات وضرائب وتركوها وانصرفوا، وكأن فتحا لم يحدث، مما يجعلنا نرجح ما قاله بعض المؤرخين من أنه خلّف عليها نافع بن عبد القيس الفهرى، وكان يتخذ زويلة التى فتحها فى حملة عمرو بن العاص مقرا لحكمه فى طرابلس وبعد ضم إفريقية التونسية إليه.
ولإقامته فى زويلة ظنّ خطأ أن ابن أبى سرح لم يترك وراءه فى إفريقية التونسية عاملا، ويبدو أن الخليفة عثمان بن عفّان ولّى عليها بأخرة من أيامه سنة ٣٤ للهجرة معاوية بن حديج السّكونى. وتحدث فتنة عثمان فيعود، وتضطرب الأمور فى إفريقية كما اضطربت فى الولايات الأخرى.
ولما استقرت الأمور لمعاوية بن أبى سفيان أرسل إلى إفريقية جيشا عداده عشرة آلاف بقيادة معاوية بن حديج سنة ٤٥ هـ/٦٦٥ م وعلم قيصر بيزنطة بهذا الجيش فأرسل إلى قرطاجة نجدة بحرية والتحم بها وبمن انضم إليها من البربر معاوية بن حديج وهزمهم هزيمة ساحقة لم يعد البيزنطيون بعدها يقدمون لعون قرطاجة، واستشهد فى هذه الغزوة أبو زمعة عبيد الله البلوى الصحابى، وكلف معاوية عبد الله بن الزبير بفتح سوسة ففتحها وفتح عبد الملك بن مروان بنزرت.
وولّى معاوية عقبة بن نافع الفهرى على إفريقية سنة ٥٠ هـ/٦٧٠ م وبمجرد وصوله إليها رأى أن الحكم العربى لا يثبت فيها ولا يستقرّ إلا إذا أنشئت بها مدينة عربية تكون معسكرا للجيش العربى الذى تتغلغل جنوده فى إفريقية بحيث تكون دارا لأسرهم وقاعدة لنشر الدين الحنيف ولغته العربية، واختار للمدينة موقعا على بعد نحو ثلاثين ميلا من البحر المتوسط، وسماها «القيروان» أى المعسكر، وبدأ فيها بإنشاء الجامع المنسوب إليه فى وسطها، وبنى بجواره دار الإمارة، وأحاط بها سورا، وسرعان ما أصبحت مدينة كبرى وظلت أم المدن فى إفريقية قرونا متطاولة فى العلم والثقافة وفى التجارة، واستغرقت عمارتها منه خمس سنوات حتى سنة ٥٥ هـ/٦٧٤ م وأصبحت مركزا لتحركات الجيش الفاتح بعد أن كان مركز تلك التحركات برقة وزويلة. وعزله معاوية وولاها أبا المهاجر فى نفس السنة المذكورة آنفا، ومن أعماله الجليلة فتحة لجزيرة شريك وإدخاله جميع بلاد الجريد فى الإسلام، وبالمثل جميع بلاد الجزائر وتغلغل فيها بجيشه إلى تلمسان حيث دارت بينه وبين قبيلة أوربة البرنسية وزعيمها كسيلة معركة انتصر فيها وأسر كسيلة فعامله معاملة كريمة جعلته يعتنق الإسلام واعتنقته معه قبيلة أوربة.
ويتوفى معاوية ويخلفه ابنه يزيد فيعيد عقبة بن نافع ثانية واليا على إفريقية سنة ٦٢ هـ/٦٨١ م واستخلف زهير بن قيس البلوى على القيروان واتجه بجيشه إلى شط الجريد وأذعن له، كما أذعن الزاب فى الجزائر ومضى يجاهد فى سبيل الله إلى أن وصل إلى البحر المحيط، فأدخل فيه قوائم فرسه ورفع يده إلى السماء قائلا بأعلى صوته: «اللهم إنّي أشهدك أنى وصلت براية