للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد طنّ بهذه الأقطار، نبأ فظيع التذكار، فتّت الأكباد، وأذكى (١) -على التنائى-لواعج الفؤاد. خطب جلل، ورزء فلّ ظبا (٢) الصّفاح والأسل، ذلكم ما نزل به القضا، وانتهى فيه الأمد وانقضى، وهو انتقال السلطان الجليل الضخم ذى البسطة فى السلطان، والملك الموطّد بتمهيد الأركان: الخاقان (٣) الأعظم، والشاهق الأعصم، السلطان مراد بن السلاطين الكبار. . وليس بمستنكر كونه-رحمه الله-لأهل التوحيد يدا، ولهمم المسلمين مددا. . وإنا لله وإنا إليه راجعون من مواراة الحفر منه بدرا طالعا، وإغمادها سيفا كان فى حماية الدين قاطعا. . . واللجأ فيه إلى الصبر الجميل، والضّراعة إلى الله فى الجزاء الجزيل، علما أن لا بقاء لمخلوق مع تهيّئ رواحل الليالى والأيام».

وهذه الرسالة بدورها تصور مهارة محمد بن على الفشتالى فى صوغ السجع، وقد نعت سنان باشا فى أوائلها بنعوت متوالية جعلها جميعها مسجوعة، فكل نعت يقترن بأخيه، فى سجعات متعاقبة تكثر فيها الجناسات كما تكثر الاستعارات. ومضى فى الرسالة بعد ما اقتبسناه منها يهنئ سنان باشا بتولى السلطان محمد بن السلطان مراد كرسى السلطنة العظمى بعد أبيه، فقد آسى (٤) الدهر به». وبين رسائله رسالة على لسان المنصور إلى بدر الدين القرافى شيخ المالكية فى مصر، وكان كثيرون من طلاب الفقه المالكى وشيوخه فى المغرب يزورون القاهرة للاستماع إلى محاضراته ويحملون عنه مؤلفاته، ومن قول الفشتالى فى نعوته التى جعلها مقدمة لرسالته إنه «العمدة الراسخة البناء فليس إلا فى باب نعم اشتغاله، والفذ الذى ما جرى التنازع فى الفهوم الدقيقة من أعراف النقدة الشوامخ، إلا جاءت آيات غوصه وتحصيله لشبه الجموع نواسخ» وقد تصنع لإدخال بعض مصطلحات نحوية فى هذه السجعات هى: باب نعم والاشتغال والتنازع والنواسخ. ونلتقى فى الرسالة بطرائف استعاراته، ويذكر عن المنصور إقامته للرسوم الشرعية، والشعائر المرعية، وجميل الالتفات للمتفقهة فى الدين ولحملة الرواية فى حفظ سنّة سيد المرسلين». وحقا نهض المنصور بالمغرب الأقصى نهضة علمية وأدبية كبرى، مما جعل حلقات العلماء تزخر بالدروس والطلاب. وتنتهى الرسالة بقول المنصور:

«وهؤلاء خدّام جنابنا العلىّ واردون على تلكم الديار برسم جلب ما لعلكم تستفرغون فيه الوسع من الكتب لخزائننا العلمية الحافلة. . وأما التشوق لموضوعكم (لشرحكم) على مختصر خليل فشئ لا يكيّف، ومعهود لا يحتاج أن يعرّف، وبودّنا أن يكون من خزائننا الحافلة بحيث المراجعة والمعاهدة، والحضور والمشاهدة».


(١) أذكى: أوقد.
(٢) ظبا الصفاح والأسل: حد الرماح والسيوف.
(٣) الخاقان: لقب سلاطين الترك.
(٤) آسى: عزّى وواسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>