للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجميع الشعوب الإسلامية فى البلدان العربية المختلفة، إذ كانت الأوساط الثقافية فيها جميعا تتمسك بالفصحى وتتمثل آدابها وتشارك فيها بما تنتج من شعر ونثر، وفى الوقت نفسه تتحدث هذه الأوساط بلغة عامية دارجة مثلها فى ذلك مثل العامة من حولها، وهى لغة أهمل فيها الإعراب، ودخلتها بعض خصائص وألفاظ من اللغات القديمة التى كانت سائدة فى تلك البلدان قبل أن ينزلها العرب ويستقروا فيها ويتخذوها أوطانا جديدة لهم.

وكما أن العامة بمختلف البلدان العربية بدّلت فى بعض ألفاظ العربية تبديلات مختلفة فى حركاتها وانزلقت من كلماتها السوقية والعامية بعض ألفاظ إلى كتابات الكتّاب وقصائد الشعراء مما جعل بعض اللغويين فى المشرق يؤلف كتبا فى لحن العامة، حتى يجتنبه الأدباء وينحّوه عن كتاباتهم وأشعارهم على نحو ما نعرف عند الكسائى البغدادى المتوفى سنة ١٨٩ للهجرة كذلك ألّف الزبيدى القرطبى الذى مرّ ذكره بين اللغويين الأندلسيين فى القرن الرابع الهجرى كتابا فى لحن العوام حتى ينبّه الكتّاب والشعراء إلى ما أفسدته العامة من ألفاظ العربية ودخل أحيانا فى كتاباتهم وأشعارهم حتى يتبيّنوه ويجتنبوه (١).

وإذن فقد كانت تشيع عامية عربية فى الأندلس على ألسنة العرب والمستعربين لا لاتينية دارجة أو رومانثية، كما ظن ريبيرا، وهى عامية كانت تهمل الإعراب وتفسد أحيانا النطق السليم لبعض ألفاظ العربية شأن العاميات التى نشأت فى البلدان العربية الأخرى، وقد كتب فيها-كما ذكرنا-العلماء اللغويون من أمثال الزبيدى كتبا، ونظم فيها زجالون أزجالا كثيرة، وأحيانا دواوين زجلية، وأضاف بعض الزجالين إلى أزجالهم قصائد عامية، وهو تراث عربى أندلسى عامى ضخم، وهو لا يقاس من حيث الضخامة إلى ما خلقت العربية هناك من تراث فصيح هائل ثقافى وأدبى وعلمى وفلسفى، بحيث نستطيع أن نقول بحق إن العرب أنشأوا فى الأندلس شعبا عربيا كبيرا ظل بها ثمانية قرون متعاقبة، وظل عربىّ اللغة فصيحة وعامية، وظل عربىّ الدين والحضارة كما ظل عربى الثقافة والعقل والفكر والشعور والوجدان.


(١) انظر مقدمة كتاب لحن العوام للزبيدى بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب (طبع مكتبة دا. العروبة بالقاهرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>