الوطنية، وقد دخلتها فى كل بلد عربى بعض خصائص تلك اللغات فى النبر والتصريف، كما دخلتها ألفاظ منها كثيرة. وهو ما حدث فى الأندلس على نحو ما يتضح فى أزجالها، فهى منظومة بعربية عامية تتخللها من حين إلى حين ألفاظ من اللهجة الرومانثية التى كانت مستقرة فى الأندلس قبل الفتح العربى وظلت حية فيما وراءها من الإمارات المسيحية فى الشمال، وبالمثل فى الأندلس على ألسنة بعض النصارى والجوارى الإسبانيات والمسترقين من الإسبان فى الحروب، وانزلقت منها بعض ألفاظ فى الأزجال.
وبين أيدينا نصوص لا تكاد تحصى أو تستقصى من هذه الأزجال المنظومة بالعامية، وليس فيها أى نص مكتوب أو منظوم باللهجة الرومانثية الدارجة فى الأندلس، مما يؤكد أن نظرية ريبيرا المفضية إلى شيوع تلك اللهجة على ألسنة عرب الأندلس مخطئة وكل ما يمكن أن يقال أن بعض عرب الأندلس كانوا يعرفون تلك اللهجة أو يلمون بشئ منها بجانب الفصحى والعامية العربية الأندلسية المتداولة فى الألسنة. ولم يكتب الزجالون بتلك العامية أزجالهم وحدها، بل كتبوا معها أيضا قصائد نظموها على أوزان العروض العربى، على نحو ما يلقانا عند أبى عبد الله أحمد بن الحاج المعروف باسم مدغلّيس، وهو من شعراء القرن السادس الهجرى، إذ ذكر صفى الدين الحلى فى كتابه:«العاطل الحالى» أنه قرأ له فى ديوانه بجانب أزجاله ثلاث عشرة قصيدة عامية على أوزان الشعر العربى، وقد سمّى أوزان عشر قصائد منها، وهى أربع من وزن المديد، واثنتان من وزن الرمل، وأخريان من وزن الخفيف، وقصيدة من وزن المتقارب وأخرى من وزن مخلّع البسيط، وأنشد من كل قصيدة مجموعة غير قليلة من أبياتها العامية (١). ومن المؤكد أن الأزجال عند مدغليس وغيره كانت مثل هذه القصائد العامية تنظم على أوزان الشعر العربى كما سيتضح-فيما بعد-فى تعليقنا على ما ننشده من بعض الأزجال.
والأندلس-بذلك كله-لم يتداول أهلها من العرب فى ألسنتهم لهجة لاتينية دارجة كما توهم ريبيرا، إنما تداولوا فيها عامية عربية، كان يتداولها العامة بالأندلس فى تخاطبهم اليومى بالأسواق وغير الأسواق، واشترك معهم فيها أوساط المثقفين مع تمسكهم بالفصحى وآدابها الرفيعة، يستوى فى ذلك المسلمون والمسالمة، كما يستوى المسيحيون المستعربون ممن تحدث عنهم ألبرو آنفا. والشعب الأندلسى-فى هذا الصنيع-يلتقى
(١) راجع كتاب العاطل الحالى والمرخص الغالى لصفى الدين الحلى بتحقيق حسين نصار (نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة) ص ١٥ وما بعدها.