عبد الرحمن الناصر جده حسداى كاتبا فى دواوينه. وممن ترجم لهم ابن سعيد بين شعراء المائة السادسة إلياس بن صدّود الطبيب وإسحق بن شمعون وكان يحسن الغناء والضرب على الآلات الموسيقية الأندلسية. وترجم ابن سعيد لشاعر يهودى طليطلى مستعرب هو إبراهيم بن الفخار رسول ألفونس إلى الأئمة فى دولة الموحدين. وترجم ابن سعيد فى القرن السابع أيضا لإبراهيم بن سهل الإسرائيلى الإشبيلى الذى آثر الإسلام دينا وعقيدة، وكان شاعرا نابها ووشاحا مجيدا. ومما يدل على اتساع التعرب بين يهود الأندلس أن نجد بين نسائهم شاعرات مجيدات مثل قسمونة بنت إسماعيل اليهودى وكان أبوها-كما يقول المقّرى-شاعرا واعتنى بتأديبها، وكانت تطارحه الشعر، وكان ربما نظم قسما من موشحة، فأتمتها هى بقسم آخر. ومما يؤكد أن الكثرة من يهود الأندلس تعربت تعربا كاملا أنه حين أخذ الإسبان والغربيون يطلبون ترجمة الثقافة العربية إلى الإسبانية الدارجة واللاتينية كان لهم فى ذلك دور ضخم، سوى ما تمثلوه من تلك الثقافة فى لغتهم العبرية، حتى ليقول بالنثيا:«نبعت ثقافة يهود إسبانيا من موارد الثقافة الإسلامية الأندلسية بصفة مباشرة»(١).
ولعل فى ذلك كله ما ينقض-بوضوح-نظرية ريبيرا المفضية إلى أن عرب الأندلس كانوا يستخدمون فى شئونهم اليومية وأحاديثهم فيما بينهم لهجة من اللاتينية الدارجة أو العجمية، لأن فى ذلك ما يخالف الحقائق الكبرى التى قدمناها. وأيضا فإنه لا يستطيع أحد أن يقول إن نصارى الإسبان فى الأندلس ويهودها لم يكونوا يستخدمون فى تخاطبهم اليومى العامية العربية الأندلسية، بينما سموا مستعربين وهو اسم لصق بهم طوال امتزاجهم بالعرب قرونا متوالية. وكل ما يستدل به ريبيرا على نظريته المخطئة ظهور طراز جديد من الأدب الشعبى فى الأندلس اتخذ صورتين هما الموشحة والزجل، ومعروف أن الموشحة سبقت فى نشأتها الزجل بأكثر من قرنين على الأقل وأنها كانت تنظم بالعربية الفصحى فى جمهورها، إلا ما قد يتظرف به ناظمها فى الحين بعد الحين من ذكر كلمات رومانسية فى نهايتها، على نحو ما سنوضح ذلك فيما بعد، ومعروف أيضا أن الزجل لا ينظم بلاتينية دارجة، إنما ينظم بعامية أندلسية تتراءى فيها أحيانا ألفاظ من اللغة اللاتينية الدارجة، وهى ليست عامية لاتينية، إنما هى عامية عربية، شأنها شأن العاميات التى نشأت فى جميع البلاد العربية من التقاء الفصحى فيها بلغات أهلها
(١) راجع دور اليهود فى ترجمة الثقافة الأندلسية عند بالنثيا ص ٤٨٨ و ٥٣٧.