وألبرو يصرخ-بأعلى صوته-إن شبان النصارى فى الأندلس لزمنه أصبحوا يشغفون شغفا شديدا بلغة العرب وآدابها الرائعة، حتى لقد نسوا لروعتها الباهرة لغتهم اللاتينية، فإذا هى تملك منهم الألسنة والقلوب وتسيطر على العقول والمشاعر والأحاسيس، وإذا هم يعكفون عليها قارئين متخذين منها أمثلتهم فى الكتابة المنمقة ونظم الأشعار البديعة. ويؤكد بالنثيا تلك الصيحة لألبرو قائلا:«إن كل ما ذكره حقيقى تؤيده تلك القصائد التى نجدها فى خاتمة مخطوط محفوظ فى المكتبة الأهلية بمدريد، وهو يضم مجموعة من القوانين الكنسية، وقراراتها مرتبة أبوابا على حسب موضوعاتها ومترجمة من اللاتينية إلى العربية بقلم قسّ يسمّى بنجنسيس، والكتاب مهدى إلى الأسقف عبد الملك، ونظمت عبارات الإهداء فى قصيدة شعرية عربية لا تفترق فى شئ عما ينظمه العرب المسلمون فى هذا المقام شكلا ومضمونا». ويسوق بالنثيا أربعة أبيات بديعة من تلك القصيدة، ثم يقول: «والكثير من الكتب اللاتينية التى كتبها المستعربون (من نصارى الإسبان) تحمل هوامشها شروحا وتعليقات عربية. . وقد ظلوا يستخدمون العربية زمنا طويلا بعد زوال سلطان الإسلام من الجزيرة (فى طليطلة وغيرها من المدن الأندلسية الوسطى والغربية والشرقية) وظلوا يكتبون بلغة العرب وقائعهم ويتسمّون بأسماء عربية حتى أوائل القرن الرابع عشر، كما يتضح من الوثائق التى خلّفها لنا مستعربو طليطلة» (١).
ويشهد لبالنثيا وألبرو أن نجد بين الإسبان المسيحيين من بلغ من إتقانهم العربية أن عيّنوا كتابا فى دواوين الدولة الأموية منذ أواسط القرن الثالث الهجرى مثل قومس بن أنتنيان الذى مرّ ذكره فى الفصل الأول لعهد الأمير محمد بن عبد الرحمن. وإذا كان ألبرو يشهد بتعرب الإسبان المسيحيين بحيث أصبحوا يستحبّون العربية على لغتهم اللاتينية الدارجة فإن اليهود الذين كانوا يعيشون بإسبانيا منذ قرون طويلة تعرّبت-فى ظننا- كثرتهم حتى لنجد كتب التراجم الأدبية الأندلسية تترجم لنفر منهم بين كتاب الأندلس وشعرائها وموسيقييها ووشّاحيها، وقد ترجم ابن سعيد فى كتابه المغرب لسبعة منهم، هم:
إسماعيل بن يوسف بن النغريلّة وزير باديس بن حبوس فى غرناطة وكان سيئ السيرة، وكذلك لابنه يوسف وكانا شاعرين، ولمعاصرهما حسداى بن يوسف بن حسداى كاتب بنى هود بسرقسطة، وقد أقاله الله من دينه، فأسلم وحسن إسلامه، وكان أديبا مجيدا شعرا ونثرا، وله ترجمة طويلة فى كتاب الذخيرة وكان أبوه كاتبا عند بنى هود قبله، وعيّن