للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاكلتها ما جاء عند ياقوت بالقرن السابع فى كتابه معجم البلدان عن أهل شلب إذ يقول: «قلّ أن ترى من أهلها من لا يقول شعرا ومن لا يعانى الأدب، ولو مررت بالفلاح فيها خلف محراثه، وسألته عن الشعر قرض من ساعته ما اقترحت عليه وأى معنى طلبت منه» (١). ويقول ابن الخطيب فى الإحاطة (٢) إن أهل غرناطة-فى زمنه بالقرن الثامن الهجرى-ألسنتهم فصيحة عربية، يتخللها إعراب كثير. وفى الروض المعطار للحميرى المتوفى سنة ٩٠٠: «مدينة شلب فى الجنوب الغربى للأندلس» ويقول: «إن سكانها وسكان قراها ظلوا يحافظون على اللغة العربية الفصيحة إلى عهود متأخرة» (٣). وكأنما ظل يعيش فى الأندلس ببعض مدنها وديارها عرب لم يفارقوا لغتهم الفصيحة حتى عصور متأخرة، فكيف يذهب باحث إلى أن العرب-أو كثيرا منهم-هناك زايلت العربية أماكنها من ألسنتهم وعقولهم وقلوبهم وحلت محلها اللاتينية الدارجة فى تخاطبهم اليومى، بينما كانت الفصحى لغة السياسة والسلطان والحكم ولغة الدين والثقافة والفكر والأدب؟ !

ومما يدل على خطأ نظرية ريبيرا أيضا-من بعض الوجوه-صيحة ألبرو القرطبى المشهورة سنة ٢٤٠ هـ‍/٨٥٤ م وفيها يأسى لولع نصارى الإسبان بالأدب العربى ولغته العربية، فما بالنا بولع المسلمين من العرب والإسبان بهذه اللغة وأدبها الرائع، يقول، والحسرة تقطّع نياط قلبه: «إن إخوانى فى الدين يجدون لذة كبرى فى قراءة شعر العرب وحكاياتهم، ويقبلون على دراسة مذاهب أهل الدين والفلاسفة المسلمين، لا ليردّوا عليها وينقضوها، وإنما لكى يكتسبوا من ذلك أسلوبا عربيا جميلا صحيحا، وأين تجد الآن واحدا-من غير رجال الدين-يقرأ الشروح اللاتينية التى كتبت على الأناجيل المقدسة؟ ! ومن-سوى رجال الدين-يعكف على دراسة كتابات الحواريين وآثار الأنبياء والرسل؟ ! يا للحسرة! إن الموهوبين من شبان النصارى لا يعرفون اليوم إلا لغة العرب وآدابها، ويؤمنون بها ويقبلون عليها فى نهم، وهم ينفقون أموالا طائلة فى جمع كتبها، ويصرّحون فى كل مكان بأن هذه الآداب حقيقة بالإعجاب، فإذا حدثتهم عن الكتب النصرانية أجابوك فى ازدراء بأنها غير جديرة بأن يصرفوا إليها انتباههم. يا للألم! لقد أنسى النصارى حتى لغتهم، فلا تكاد تجد بين الألف منهم واحدا يستطيع أن يكتب إلى صاحب له كتابا سليما من الخطأ، فأما عن الكتابة بلغة العرب فإنك واجد فيهم عددا عظيما يجيدونها فى أسلوب منمق، بل هم ينظمون من الشعر العربى ما يفوق شعر العرب أنفسهم فنا وجمالا» (٤).


(١) انظر مدية شلب فى معجم البلدان لياقوت.
(٢) الإحاطة (الطبعة الأولى) ١/ ١٣٥.
(٣) الروض المعطار للحميرى (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ١٠٦.
(٤) راجع نص هذه الصيحة فى بالنثيا ص ٤٨٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>