للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت الثانى، وهى تشبيهات دقيقة. ويقول فى نار فحم والشرار يتطاير من حولها:

ونار فحم ذى منظر عجب ... يطرد عنه الشّرار باللهب

كأنما النار مبرد جعلت ... تبرد منه برادة الذهب

فلهب النار يطرد الشرار من حولها، كأنما النار مبرد يبرد من الفحم برادة ذهبية، وقد راعى النظير فى البيت الثانى، فالنار مبرد وهى تبرد من الفحم برادة الذهب، ويقول فى مديح مغنّ.

إذا غنّى يزيل الهمّ عنّا ... ويأتينا بما نهواه منه

له وتر يطالب كلّ همّ ... بوتر فالهموم تفرّ عنه

فهو مغن حاذق يعرف ما تهواه النفوس ويعرضه على سامعيه، وكأنما لعوده وتر يطالب كل هم فى نفوس الناس بوتره أو ثأره، فالهموم تفر عنه منطلقة إلى غير مآب. ويذم فى مقابل هذا المغنى مغنين آخرين من برد غنائهم يجعلون الصيف شتاء ويحولون الأعراس مآتم، وفى أحدهم يقول، وهو أخف ما قال:

لنا مغنّ غناه ... يعود شرّا عليه

لم يأت منزل قوم ... فعاد قطّ إليه

فبمجرد أن يسمعه أهل منزل يزورون عنه ولا يعودون إلى طلبه مرة أخرى. وكان يغرب أحيانا فى أوصافه مدحا وذما، وقد وجد الناس يمدحون البياض فى المرأة ويذمون السواد، فرأى أن يعكس عليهم القضية قائلا:

شبيهات المشيب تعاف نفسى ... وأشباه الشبيبة هنّ حور

سواد العين نور العين فيه ... وما لبياضها فى العين نور

فهو يرى بسواد عينيه لا بياضهما، ولذلك يعاف البياض رمز المشيب والشيخوخة، كما يعاف معه المرأة البيضاء، بينما يحب السواد رمز الشبيبة ونضرة الحياة ويحب المرأة السوداء. وكانت لديه قدرة فى حسن التعليل كقوله فى فص أحمر:

حمرتى من دم قلبى ... أين من يندب أينا

أنا من أحجار أرض ... قتلوا فيها الحسينا

وربما كان فى ذلك ما يدل على أنه كان متشيعا يعتنق المذهب الإسماعيلى الفاطمى. ومن حسن تأتيه فى التصوير قوله فى لحية كبيرة غطت وجه صاحبها:

<<  <  ج: ص:  >  >>