ما إن رأيت ولا سمعت بلحية ... عرضت كلحية جعفر بن محمّد
سدّت عليه وجهه فكأنما ... عيناه فى ثقبى كساء أسود
فهى قد سترت وجه صاحبها حتى لم يعد يبدو منها إلا العينان، وكأنهما ثقبان فى كساء أسود.
وكما كانت لحية جعفر بن محمد تؤذيه كذلك كانت لحية حمدون، وفيها يقول:
لحية حمدون دثار له ... تكنّه من شدّة البرد
كأنها-إذ غاب فى وسطها- ... قطيفة لفّت على قرد
فلحية حمدون كأنها دثار أو ثوب تكنّه من قسوة البرد، وكأنها إذ غاب فى وسطها ولم يعد أحد يرى له أثرا قطيفة لفت لا على إنسان بل على قرد. ونختم تصاويره بتصويره لراقصة صقلية:
راقصة كالغصن من فوقه ... بدر منير تحت ظلماء
تلهب مثل النار فى رقصها ... وهى من النّعمة كالماء
كأنما فى رجلها عودها ... وزامر يتبع بالنّاء
ساحرة الرّقص غلاميّة ... منها دوائى وبها دائى
إذا بدت ترقص ما بيننا ... يرقص قلبى بين أحشائى
وهى راقصة قوامها كغصن البان ووجهها كالبدر المنير، وكأنما تجمع النار والماء فى رقصها، تجمعهما بحركاتها وتثنياتها وكأنما توقع حركات أرجلها على عودها وزامر يتبعها بالناى وإنها لساحرة فى رقصها، وبإحدى يديها داؤه، وبالثانية دواؤه. وإن القلوب لترقص مع رقصها وإيقاعاتها المبدعة فيه.