للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأزمنة إلى نهاية زمن المماليك الباب الكبير لمرور توابل الهند وعروض آسيا إلى الغرب. ومهر أهلها فى التجارة ومعرفة أسرارها والقدرة على إغراء الأسواق التجارية ومعرفة متطلباتها من لبان جنوبى الجزيرة العربية ونباتات العطور والعقاقير، مما أتاح لكثير من تجارها على مر الأزمنة الثراء الطائل.

وتحفّ الشام فى الشرق بوادى الجزيرة العربية، وكان لذلك أثره البعيد فى تكوين سكانها فأكثرهم نزحوا إليها قديما من الجزيرة على نحو ما هو معروف عن الكنعانيين والآراميين والعبرانيين، وقد ظلت أبوابها الشرقية مفتوحة على مصاريعها لبدو الجزيرة، مما جعل الغساسنة يقيمون على الحدود بينها وبين الجزيرة دولتهم الغسانية. ولا يقفون هم ومن كانوا وراءهم من البدو عند الحدود بل يتغلغلون إلى داخل الشام، حتى ليمكن أن يقال إنه قد أخذ فى التعرب قبل الإسلام. وظل بدو الجزيرة طوال الأزمنة الإسلامية يكوّنون شطرا مهما فى سكان الشام، وكان الشطر الثانى، وهو الأكبر، متحضرا ويقيم فى المدن. وبذلك كان سكان الشام ينقسمون طوال الحقب الإسلامية إلى بدو وحضر. وكان البدو يعتمدون على الأغنام والأنعام، بينما كان الحضر يعتمدون على الزراعة والصناعة والتجارة. وكان حكام مصر والشام يقرّبون زعماء البدو، ولكى يدرءوا عن الشام شرهم كانوا أحيانا يقطعونهم بعض مدن فلسطين على نحو ما هو معروف من إقطاع الفاطميين للمفرّج بن دغفل مدينة الرّملة.

على كل حال كان اعتماد الشام فى حياتها الاقتصادية طوال الحقب الإسلامية على سكان الحضر وما يؤدونه للدولة من الخراج والعشور والجوالى أو الجزية، وكانت ضريبة محدودة قلما زادت عن دينارين، وكانت تؤخذ من أهل الكتاب: النصارى واليهود نظير عدم انتظامهم فى الجيش العربى. وهى بذلك كانت ضريبة دفاع ولم تكن تؤخذ إلا من القادرين، أما النساء والأطفال والشيوخ والقساوسة والرهبان فلا تؤخذ منهم البتّة.

وحين عقد عمر بن الخطاب مؤتمر الجابية سنة ١٦ للهجرة أوصى عماله أن يرفقوا بالرعية فيما تؤدى من ضرائب للدولة، وبلغ خراج الشام على عهده-كما يقول الصولى-خمسمائة ألف دينار. وبمجرد أن أصبحت الخلافة خالصة لمعاوية جعل خراج كل من دمشق وقنسرين أربعمائة وخمسين ألف دينار، وخراج كل من فلسطين والأردن مائة وثمانين ألفا. وأخذ يهب بعض أصفيائه إقطاعات واسعة، وتارة يكون الإقطاع إقطاع تمليك، وتارة يكون إقطاع استثمار، وكان عثمان بن عفان أول من سنّ هذه السنة فى الإسلام.

وجاءت معاوية كنوز الأرض فكان يكثر من توزيعها على الشخصيات المهمة فى قريش

<<  <  ج: ص:  >  >>