للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنصار وعلى زعماء القبائل فى الجزيرة العربية والعراق، وعنى عناية واسعة بأبهته ونفقاته. وبنى لنفسه دارا كبيرة فى دمشق سماها «الخضراء» ودورا أخرى فى مكة، وسنّ للخلفاء الأمويين من بعده البذخ. ويروى أنه كان يستقبل من عماله هدايا العيدين الفارسيين: عيد النّيروز وعيد المهرجان، ولا بد أن كانت تقدم له الهدايا فى أعياد النصارى لما انعقد بينه وبينهم من علاقة وثيقة، ولما منحهم من الإشراف على الشئون الما للدولة، وخاصة سرجيوس وأسرته، وأيضا لا بد أن كانت تقدم ل الهدايا فى الأعياد الإسلامية.

ويبدو أن الدولة ظلت تنعم برخاء واسع بعد معاوية، مما دفع الوليد بن عبد الملك إلى تشييد الجامع الأموى بصورة هندسية بالغة الفخامة فى زخرفته وتصويره، وقد استقدم-كما مرّ بنا- لصنع الفسيفساء فى جدره وفصوصه اثنى عشر ألف عامل من بيزنطة، غير من استقدمهم فى تشييده ونقشه من مصر وفارس، وقد مثّلت فيه أشجار وفرّعت أعصان منظومة بالفصوص المذهبة، ويقال إنه أنفق فيه خراج الشام سنتين وكان خراجها على عهده مليون دينار ومائتى ألف، وفى رواية أنه أنفق عليه أحد عشر مليونا من الدنانير ومائتى ألف. وعدّ الجامع عجيبة من عجائب الدنيا، وبه حظيت دمشق بمجد وشهرة عظيمين. ويبدو أن الوليد زاد، بسبب هذه النفقة الباهظة على جامعه، الضرائب على أهل الشام، أو لعل أخاه سليمان الذى خلفه هو الذى صنع ذلك. ويخلفه عمر بن عبد العزيز فيأمر عماله أن يأخذوا أهل الكتاب من النصارى واليهود بالرفق وأن تمنع السخرة منعا باتا كما يمنع أخذ الضرائب على الجسور والمعابر وأن يكتفى فى المعادن بالصدقة ولا يؤخذ منها العشر. وأمر أمرا صارما أن ترفع الجزية عمن أسلموا من الموالى بحيث يسوّى بينهم وبين المسلمين فى الخراج والعشور. ويتوفّى عمر فيعود العمال إلى الضرائب الاستثنائية ظلما وعدوانا. ولا بد أن نذكر للأمويين أن الشام كانت تحظى برخاء غير قليل فى أيامهم، ويشهد بذلك ماشادوه فى دمشق والبوادى من قصور، وقد أصبحت دمشق بفضلهم عاصمة ومدينة عربية كبرى.

وكان المجتمع الشامى فى دمشق وغير دمشق يتألف من ثلاث طبقات: عليا ووسطى ودنيا، والطبقة الأولى تشمل الحكام وكبار الموظفين فى الدواوين وأصحاب الثراء الطائل من التجار والإقطاعيين. وتشمل الطبقة الوسطى العلماء وأوساط الزراع والتجار والصناع، أما الطبقة الدنيا فهى طبقة العامة من صغار الفلاحين والعمال. وكان يتبع هذه الطبقة الرقيق الذى يؤسر فى الحروب أو يبيعه النخاسون، وكان أخلاطا من البيزنطيين والأوربيين والإفريقيين. وظلت هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>