وكان يساعد الوالى فى الإدارة ديوانان: ديوان كبير مؤلف من السردار أو رئيس العسكر والدفتردار أو مدير الخزانه والروزنامجى أو حافظ السجلات وقاضى القضاة وأمير الحج ورؤساء المذاهب الفقهية الأربعة. وبجانب هذا الديوان ديوان صغير خاص بنائب الوالى ومعه دفتردار وروزنامجى. . ومنح أصحاب السناجق أو الألوية لقب بك. وكثير من الولاة كانوا يختارون من الإنكشارية وهم شبّان أوربيون من أجناس مختلفة كانوا يربّون تربية إسلامية عسكرية، وكان هم الوالى منهم أن يجمع لنفسه فى مدة ولايته القليلة ما يستطيع من الأموال مما جعلهم يرهقون أهل المدن بالضرائب، وقلما كان حكم الوالى يتجاوز المدينة وضواحيها. أما داخل البلاد فقد ترك للإقطاعيين من سكان الشام ومن وراءهم من بدو الجزيرة، وكان عددهم قد تزايد زيادة كبيرة منذ زمن المماليك، وكان أكثرهم من الدروز مثل آل معن وآل أرسلان والشهابيين ومن التركمانيين مثل آل عساف ومن البدو مثل آل فضل. وفى كل مكان نجد هؤلاء الإقطاعيين مثل آل حرفوش ببعلبك وآل فريح فى البقاع وآل جبار فى سلمية، ولم يكونوا يؤدون للعثمانيين أو الباب العالى إلا ضرائب محدودة، وخاصة أن الموارد كانت قد تضاءلت إذ تدهورت التجارة وتدهورت أيضا الزراعة. ويدل على فساد الحكم العثمانى واضطرابه فى الشام كثرة من كانوا يولّون ويعزلون من الولاة، حتى ليولّى على دمشق فى مائة وثمانين عاما مائة وثلاثة وثلاثون باشا أو واليا، مما جعل فخر الدين من آل معن الدروز (٩٩٠ - ١٠٢٣ هـ) يسيطر على أكثر أرجاء الشام من أنطاكية إلى صفد لنحو نصف قرن، وأذن لفلورنسا بإقامة قنصلية لها فى بلاده ولم ير بأسا من الإذن لفرنسا بفتح فندق فى صيداء وأذن للمبشرين المسيحيين بالتبشير بين المسلمين والدروز. وتنبهت له أخيرا الدولة العثمانية فأرسلت إليه جيشا لتأديبه ففر من البلاد راكبا البحر إلى صديقه فرديناند أمير توسكانيا. ونمضى إلى سنة ١١٦٤ هـ/١٧٥٠ م فيبسط ضاهر العمر صاحب صفد سلطانه على عكا ويعلن استقلاله وعصيانه للباب العالى بفضل معونة على بك الكبير المملوك المشهور أيضا بعصيانه للعثمانيين ومحاولته الاستقلال عنهم بمصر. ويحاصر العثمانيون ضاهر العمر وتدركه المنية سنة ١١٨٩ هـ/١٧٧٥ م. ويليها بعده أحمد الجزار ويلعب دورا شبيها بدور ضاهر العمر ويحصّن عكا.
وعبثا يستطيع نابليون فتحها ويضطر إلى رفع حصاره عنها بعد ثلاثة أشهر، إذ باء حصاره لها بالإخفاق الذريع سنة ١٢١٣ هـ/١٧٩٩ م. وكانت الأحوال الاقتصادية فى الشام تتردّى من سيئ إلى أسوأ طوال الحكم العثمانى، وظل كابوسه جاثما على صدر البلاد طوال القرن التاسع عشر الميلادى بل طوال شطر كبير من العصر الحديث.