للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبكرة وعنى بنظم كثير من المتون العلمية مثل رسالة الوضع للعلامة العضد، والدرة السنيّة فى الأشكال المنطقية ورموز الجامع الصغير، وكانت وفاته سنة ١١٣١ للهجرة. وكان قد أصبح شاعرا كبيرا ويصف الجبرتى شعره فيقول: له فى الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة، على غيره رفيعة، وقلما تجد فى نظمه حشوا أو تكملة، وله أرجوزة فى التصوف فى نحو ١٥٠٠ بيت على طريقة الصادح والباغم ضمنها أمثالا ونوادر وحكايات، وديوانه على حروف المعجم سماه باسمين: «تنبيه الأفكار للنافع الضار وإجماع الإياس من الوثوق بالناس شرح فيه حقيقة شرار الخليفة من الناس، المنحرفة طباعهم عن طريقة قويم القياس». وواضح من تسميته لديوانه أن شعره أو جمهوره على الأقل لم يكن مديحا وهجاء وغزلا وعتابا وما إلى ذلك من موضوعات الشعر المعروفة إنما كان نقدا للمجتمع، وهو نقد يشوبه كثير من الذم لسلوك الناس حتى ليدعو إلى اعتزالهم لما يتصفون به من الطمع والجشع والأنانية، والعاقل من اجتنبهم وفرّ منهم فرار السليم من الأجرب لا من الأباعد فحسب بل أيضا من الأقارب، يقول:

أخى فطنا كن واحذر الناس جملة ... ولا تك مغرور الظنون الكواذب

ولا سيّما نوع الأقارب إنهم ... عقابك فى الدنيا وعقر العقارب (١)

ويستمر فى هجو الأقارب وأنهم يتمنون الموت لك، إن كنت ثريا ليرثوك، وإن كنت فقيرا كنت لديهم خسيسا أخس من الكلاب. وهو على هذا النحو سيئ الظن بالناس حتى بالأقرباء من ذوى الرحم، وكاد لا يسلم من سياط ذمه وهجائه أحد حتى المتصوفة، يقول فيهم من قصيدة طويلة:

احذر أولى التّسبيح والسّبحة ... والصّوف والعكّاز والشّملة (٢)

قد صار إبليس لهم تابعا ... يقول يا للعون والنّجدة

مما حويتم علّمونى فما ... لى عنكم فى المكر من غنية

لكم قيادى وانقيادى وما ... مثلكم فى الناد والنّدوة (٣)

وأنتم تاجى على هامتى ... ماهمت إلا كنتم همّتى (٤)


(١) عقر: بيت أو منزل.
(٢) الشملة: شال كالطيلسان يتلفّع به على المنكبين والصدر.
(٣) الناد: النادى حذفت الياء لضرورة الشعر.
(٤) همت: من هام يهيم إذا خرج على وجهة لا يدرى أين يتوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>