للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اهتموا بتدوين الرسائل الديوانية لحكام الدولة الرستمية لضاعت أو سقطت من يد الزمن وأول رسالة شخصية جزائرية مهمة وصلتنا عن الحقب الأولى رسالة أبى على ابن الربيب الحسن بن محمد التميمى التاهرتى الذى ترجم له ابن رشيق فى كتابه: «الأنموذج» وقال إنه تولى القضاء طويلا فى بلدته تاهرت وإنه توفى سنة ٤٢٠ هـ‍/١٠٣٠ م ولم يذكر الرسالة ولا أشار إليها، وإنما ذكرها ابن بسام فى كتابه الذخيرة، إذ قال فى ترجمة أبى المغيرة عبد الوهاب بن حزم: كتب إليه أبو على بن الربيب رقعة يقول فيها (١):

«إنّي فكّرت فى بلدكم أهل الأندلس، إذ كان قرارة كل فضل، ومقصد كل طرفة، ومورد كلّ تحفة، إن بارت تجارة أو صناعة فإليكم تجلب، وإن كسدت بضاعة فعندكم تنفق (٢)، مع كثرة علمائه، ووفور أدبائه، وجلالة ملوكه، ومحبتهم للعلم وأهله، ورفعهم من رفعه أدبه، وكذلك سيرتهم فى رجال الحرب، يقدّمون من قدّمته شجاعته، وعظمت فى الحروب نكايته، فشجع عندكم بذلك الجبان، وأقدم الهيبان (٣)، ونبه الخامل، وعلم الجاهل، ونطق العيىّ، وشعر البكىّ. . وتنافس الناس فى العلوم، ثم هم مع ذلك فى غاية التقصير، ونهاية التفريط من أجل أن علماء الأمصار دونوا فضائل أعيانهم، وقلّدوا الكتب مآثر أقطارهم وأخبار الملوك والأمراء، والكتاب والوزراء، والقضاة والعلماء، فأبقوا لهم ذكرا فى الغابرين، و (لسان (٤) صدق فى الآخرين). وعلماؤكم مع استظهارهم على العلوم، كل امرئ منهم قائم فى ظله لا يبرح، وثابت على كعبه لا يتزحزح، يخاف إن صنّف، أن يعنّف، أو (تخطفه (٥) الطّير أو تهوى به الرّيح فى مكان سحيق) لم يتعب أحد منهم نفسا فى [جمع] مفاخر [أهل] بلده ولم يستعمل نقسا (مدادا) فى فضائل ملوكه، ولا بلّ قلما بمناقب كتّابه ووزرائه، ولا سوّد قرطاسا بمحاسن قضاته وعلمائه. على أنه لو أطلق ما عقل الإغفال من لسانه، وبسط ما قبض الإهمال من بيانه، لوجد للقول مساغا، ولم تضق عليه المسالك هنالك.

ولكن همّ كل أحد منهم أن يطلب شأو (٦) من تقدّمه من رؤساء العلماء، ليحوز قصب السّبق، ويفوز بقدح (٧) ابن مقبل، ويأخذ بكظم (٨) دغفل، ويصير شجّى فى حلق


(١) الذخيرة ١/ ١٣٣.
(٢) تنفق: تروج.
(٣) الهيبان: الهائب الخائف.
(٤) اقتباس من سورة الشعراء.
(٥) اقتباس من سورة الحج.
(٦) شأو: غاية.
(٧) ابن مقبل شاعر يتمثل بقدحه فى الفوز والظفر.
(٨) دغفل: نسابة كبير عند العرب، يأخذ بكظمه: يماثله فى علم النسب، وأصل الكلمة: يأخذ بكظمه الإمساك على ما عند المرء من العلم وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>