حماد أن يترك لهم الريف. وبدون ريب أحدثت هذه الهجرة الأعرابية كثيرا من الاضطراب فى الجزائر، غير أنها أفادتها فائدة كبرى إذ أكملت تعريبها وكانت قد أخذت فى التعرب منذ القرن الأول الهجرى واستيطان كثير من الجنود المسلمين لها، وقد تحولوا ينشرون الإسلام ومبادئ العربية وأخذ ذلك يتسع مع الزمن. غير أن تعرب الجزائريين كان لا يزال محدودا، حتى إذا حدثت هذه الهجرة الأعرابية الكبيرة لمئات الألوف من العرب، إذ لم يلتق بذلك بضعة آلاف من الأعراب بالشعب الجزائرى، بل التقت به مئات الألوف، بل التقى شعبان: الشعب البربرى صاحب الديار والشعب العربى المهاجر، ولم يلبث الشعبان أن اندمجا وأصبحا شعبا واحدا دينه واحد ولغته فى الغالب واحدة، إذ ظل هناك من يحافظون على لغتهم البربرية وخاصة فى أوعار الجبال، ومع ذلك كانوا يستخدمون مع قومهم اللغة التى تكونت فيما بعد، ونقصد العامية المشتقة من العربية. وقد أصبحت الكثرة الكاثرة من الجزائريين عربا فى اللغة والزىّ وعادات المآتم والأفراح، بل لقد أصبحت الجزائر جميعها شعبا عربيا ضخما بفضل هذه الهجرة الأعرابية.
وما نصل إلى سنة ٤٨٤ هـ/١٠٩٢ م حتى يستولى النورمان نهائيا على جزيرة صقلية وفى العام التالى يستولون على جزيرة مالطة، وينزح إلى الجزائر وتونس كثير من المسلمين فى الجزيرتين فرارا بدينهم من اضطهاد النورمان، وكانت كثرتهم-إن لم يكن جمهورهم- من أبناء إفريقية التونسية من سلالات الفاتحين للجزيرتين وكان بينهم بعض أبناء الجزيرتين ممن اعتنق آباؤهم الدين الحنيف. ونمضى إلى القرن السابع الهجرى وتسقط بلدان أندلسية كثيرة فى حجر نصارى الإسبان الشماليين، وينزح كثيرون من مسلمى الأندلس إلى الجزائر وبلدانها. وإذا كانت الهجرة الأعرابية أفادت الجزائر اكتمالا فى التعرب فإن الوفود المسلمة التى نزحت إليها من الأندلس أفادتها فى الزراعة والصناعات المختلفة: صناعة النسيج وغيره، وأفادتها فوائد كثيرة فى حياتها العلمية والأدبية، إذ نزح إليها كثير من العلماء وشاركوها فى حياتها العلمية كما شاركها فى حياتها الأدبية كثير من أدباء الأندلس الذين هاجروا إليها واتخذوها دارا ومقاما. واتسع نزوح من بقى بالأندلس من المسلمين منذ سنة ١٠١٦ هـ/١٦٠٩ م حين نفى الإسبان من كان لا يزال بالأندلس من المسلمين إلا من أعلن تنصره أو تظاهر بأنه نصرانى وتضاعفت إفادة الجزائر من هؤلاء النازحين-كإخوانهم السالفين-فى العلوم والآداب والزراعة والصناعات وما حملوا من الأندلس إلى الجزائر من مدنيتهم الأندلسية العظيمة. وقد نزح معهم كثيرون من اليهود فرارا من عسف الإسبان وبطشهم.
وكان الولاة فى العهد العثمانى يحيطون أنفسهم بحاميات عسكرية من الانكشارية، ومعروف أنها كانت تتكون من الترك فى الأناضول ومن أجناس شتى من أنحاء الدولة العثمانية ومن